أحمد الجاراللهيا قادة البلادطَوَت الانتخاباتُ الأخيرةُ صفحةً من كتاب أسود عاشته الكويت طوال سنوات تَمَيَّزَ بحرب الكيدية والفوضى والإهمال جرّاء الصراع العبثي بين مجالس أمة عدة وحكومات سِمَتها الأساس الضعف والرضوخ، فيما يُغلق الكتاب اليوم مع تقديم مجلس الوزراء استقالته، ليفتح آخر، عنوانه بات معروفاً منذ 22 يونيو الماضي حين كتب فيها الخطاب الأميري أول السطور، وعنوانه تصحيح المسار، والنهوض بالكويت عَبْرَ مُعالجة سلسلة أمراض كادت تفتك بها، وأولها الفساد، الذي تسبَّبت فيه المُحاصصة، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.لقد بدأ السعي إلى تشكيل حكومة جديدة والمطلوب منها الكثير، لذا لا بد من الدقة في الاختيار، والإقلاع عن سياسة الولاء قبل الكفاءة التي كانت سبب الخراب المُمتد منذ ما يزيد عن أربعة عقود، والاقتناع بالكفاءة وحسن الأداء الذي يؤكد الولاء للوطن وليس إلى الأشخاص.لهذا لا بد من دراسة ملف كل مرشح لمنصب وزاري، كما هو معمول به في غالبية دول العالم المتقدمة، وإبعاد كل مشكوك بشهادته، أو سيرته، فلا تكون هناك محاباة لقريب، أو صاحب عزوة قبلية، أو طائفية، ولا تمييز على أساس الوجاهة المالية؛ لأنَّ كلَّ هذه الحسابات الخاطئة تعني استفحال الأمراض في الجسد الوطني.الكويت تمرُّ بواحدة من أصعب المراحل، دولياً، وإقليمياً، ومحلياً، وهي بحاجة قبل أي أمر إلى أن تكون لديها بنية تحتية اقتصادية متينة لمواجهة تقلبات أسعار النفط والسلع والمواد الستراتيجية، وهذا لا يتحقق إلا بتنويع مصادر الدخل الذي يجب أن يكون أولوية، وليس شعاراً تذروه الرياح، كما كانت حالنا طوال ستة عقود.من هنا ثمة هيئات عدة لا بد من إعادة النظر في ستراتيجياتها، ومنها هيئة الاستثمار والتأمينات الاجتماعية، فالأولى هي مصدر الدخل الرديف، ولا بد من أن تعمل بمنهجية استثمارية ذكية، أما الثانية فهي تؤمن مصدر دخل لنحو 140 ألف مواطن مع أسرهم، وعدد هؤلاء في ارتفاع دائم، ويفترض أن تكون لديها كفاءة كبيرة في إدارة استثماراتها، وملاءة مالية، لا أن تعاني من عجز اكتواري دائم.قادة البلادمعروف أنَّ الصناديق السيادية للدول تُدار من أشخاص يتمتعون بكفاءة عالية، وأمناء، كما أنهم يخضعون لإشراف من رؤساء الدول، ولهذا فإن أولى خطوات الإصلاح المالي للدولة يجب أن تبدأ من هاتين المؤسستيْن، فتكونان تحت إشراف الحاكم مباشرة، ويُستعان بالخبراء الأكْفاء، من الكويتيين وغير الكويتيين، إذ ليس عيباً أن تعمل لدينا عقول أجنبية، بل غالبية دول العالم تستعين بغير المواطنين في الكثير من المجالات، ومنها الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، أما إذا كانت العقدة في الغترة والعقال والدشداشة، فاطلبوا من الخبراء الأجانب أن يرتدوا الزي الوطني.منذ أكثر من نصف قرن هناك مطالبات بتنويع مصادر الدخل، لكن لا أحد يسمع، وإنْ سمع لا يُنفذ، وإنْ نَفَّذَ كان تنفيذُهُ مثل خبز الرفلة، من هنا فإن أولى مهمات الحكومة العتيدة التي يتمنى الكويتيون ألا تغرق بخلافات وصراعات مع مجلس الأمة، وتعود الكويت سيرتها الأولى، بأن تجعل الاقتصاد والكفاءة المالية على رأس جدول أعمالها، بينما القضايا الأخرى على أهميتها تبقى أقلَّ من هذيْن الموضوعيْن.
[email protected]