الأربعاء 30 أبريل 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

يا ولاة الأمر تذكروا نصيحة الحسن البصري لعمر بن عبدالعزيز

Time
السبت 14 يناير 2023
View
490
السياسة
أحمد الجارالله

في أول عهده، أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز الاستزادة من علم الحسن البصريّ؛ فطلب لقاء الرجل، وقال له عمر: "بمن أستعين على الحكم يا حسن؟".
قال البصري: "يا أمير المؤمنين، أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم، وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك". تعجب الخليفة من رده، فقال له: "فبمن أستعين؟".
قال البصري: "عليك بأهل الشرف، فإن شرفهم يمنعهم عن الخيانة".
هكذا يكون أهل النصح الأمناء، أصحاب الثقافة القائمة على الإسلام الصحيح، الذين لا يبغون مصلحة شخصية من الحاكم، إنما يعملون من أجل الأمة والحاكم؛ لأنهم ليسوا مستفيدين أو سعاة إلى الثروة، ولا يعملون على إثراء الأبناء والأصحاب، وليسوا ممن يُطلقون اللحى ويُقصرون الأثواب لإيهام الناس أنهم أتقياء أنقياء، أصحاب ثقافة "طالبان" و"داعش"، فيما هم فاسدون، يستبيحون كل المحرمات، وليسوا مستشارين لنفع النفس.
ما نصح به البصري ألا تكون الإدارة مفصلة على مقاسات الأحبة والأصحاب، والمقربين، والدولة ليست عبارة عن لجان للرقابة والنزاهة سرعان ما تزكم رائحة فسادها أنوف الجميع، ولا فيها دواوين وهيئات تهدر المال بحجة الإصلاح فيما هو يبدأ من النفس، ولا يحتاج إلى رقيب، بل إلى شرفاء يمنعهم شرفهم من خيانة الأمانة.
لا يكون بينهم من يتشدق بحفظ الحقوق، فيما هو يغمط الآخرين حقوقهم، ولا يتورعون عن التدليس بالعدالة الاجتماعية لنيل مآربهم الدنيئة، لذا حين قال الحسن البصري هذا الكلام إلى مَنْ وُصف تاريخياً بالخليفة الراشد الخامس، إنما كان يسعى إلى ما انتهت إليه دولة عمر بن عبدالعزيز، وليس بكتبة ومحصلي ديون لمفرطين بأموالهم، فتصبح مؤسسات الدولة عاملة عند هؤلاء.
تلك الدولة التي لاتزال مثالاً إلى اليوم على العدل والإنصاف، لم يسع قادتها إلى تشكيل دولة عميقة تحل محل المؤسسات، وتمارس كل ما يمكن أن يؤدي إلى خلق الشقاق بين الحاكم والرعية، لهذا ازدهرت، وفاضت أموالها حتى لم يَبْقَ فيها فقير.
لذا حين نتحدث عن 120 ألف كويتي محتاج، يتعرضون يومياً لأبشع أنواع الإذلال، بحجة يلوكها المُتبجحون عن أن العدالة الاجتماعية تقضي بإعطاء المستحق وغير المستحق، فهؤلاء يسعون إلى رفع مستوى الغضب الشعبي، ويعملون على حصر كل شيء بأيديهم تحت شعار حرية الاقتصاد والديمقراطية، فيما الحقيقة غير ذلك.
أنفقت الدولة خلال جائحة "كورونا" 17 مليار دولار على ما سمي مواجهة الجائحة، وبعد انتهاء الأزمة طلعت علينا شخصيات اغتنت بين يوم وليلة، وأصبح بعضهم يتحدث بالمليارات، فيما لم يسألهم أحد: من أي لكم هذا؟ هؤلاء هم أنفسهم يعملون على حجب الرؤية عن الحكم كي يستمروا في فرض إرادتهم، والاستحواذ على كل شيء.
حين يقول بعض الوزراء إن إسقاط القروض يخلُّ بمبدأ العدالة والمساواة، ويقول وزير المالية إن المقترض حالياً، في حال أسقطنا الدَّيْن عنه سوف يلجأ إلى الاستدانة مرة أخرى، يُجانبه الصواب بذلك، فالذي اكتوى من تعطيل خدماته، ومُنع من السفر، وعانى الأمرّين في التوفيق بين مُتطلباته اليومية وبين سداد القرض، والذي دخل السجن، لن يعود إلى هذا الأمر، وكذلك الدائن الذي ذاق مرارة التفريط بماله لن يُكرر الخطأ نفسه، إلا إذا كان من المرابين الذين يسعون إلى نهب الناس.
في السعودية، أمر الملك سلمان، وكذلك في الإمارات أمر الشيخ محمد بن زايد، بعدم حبس المدين، وأن الديون هي قضايا مدنية، والمفرط بماله يتحمل المسؤولية، وليس الذي اقترض ولم تكن لديه القدرة على السداد، وهو ما عملت به البحرين وقطر وعمان إلا في الكويت، فيما قال الله -عز وجل- في محكم التنزيل: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ".
أعجب لأمر الكويت التي يصرُّ البعض فيها على السير عكس حركة الزمن، ففي الوقت الذي عدلت كلُّ دول العالم قوانينها بهذا الشأن وغيره، وطوَّرت نفسها، لا نزال نعيش على "طمام المرحوم"، ولا يزال لدينا من يفكر بذهنية الإقطاعيين أيام الثورة الفرنسية، الذين أدى عنادهم إلى تعليق المشانق لهم، فيما المطلوب، وبكل بساطة، تحسين أداء الدولة، والعمل من أجل تطوُّر المجتمع، فطيب النفس يقوم على مبدأ "من عسرك إلى يسرك"، وليس حسد اليتيم على لقمته، لذا نسأل: كم حسن البصري نحتاج في الكويت كي تستقيم أمورُنا؟
آخر الأخبار