السبت 28 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

يا ولاة الأمر... "شوف العنز واحلب لبن"

Time
السبت 04 مارس 2023
View
200
السياسة
كانت من عادات العرب قديماً إذا تكاثرت خيولهم، واختلط عليهم أمرها، ولا يفرقون بين أصيلها وهجينها، جمعوها في مكان واحد ومنعوا عنها الأكل والشرب حتى إذا جاعت وعطشت أوسعوها ضرباً بالسياط، بعدها يأتون لها بالأكل والشرب، فتنقسم الخيول إلى مجموعتيْن، الأولى تُهرول إلى الأكل والشرب غير آبهة بما فعلوا بها؛ لأنها جائعة، بينما المجموعة الثانية تأبى الأكل من الذي ضربها وأهانها.
رغم التطور والتكنولوجيا، لاتزال عند العرب بعض الفراسة التي اكتسبوها على مر العصور، إذ بعضهم يعرف الناس من سيماهم، بل يُفرق الأصيل عن غيره عبر بعض سلوكه، أو زلاته، أو هناته؛ لأن الزلات تكشف ما في الصدور.
لذا كانت العرب تختار في حروبها الخيل الأصيلة؛ لأنها تأبى الإهانة، ويحرصون على إكرامها، وما ينطبق على الخيل ينطبق على الإنسان، لهذا كانوا يختارون صاحب الشكيمة والكبرياء رائدهم في المهمات الصعبة؛ لأنه لا يكذب أهله، ويمتاز بالشجاعة وعزة النفس فلا يقع فريسة الإغراء والرشوة.
في المقابل، كان الخائن ينبذ، وقد عرف قبل الإسلام أشهر الخونة في التاريخ، وهو أبو رغال، الذي صار رمز الخيانة، فعندما قرّر أبرهة غزو الكعبة وهدمها، بحث عن دليل عربي يدله على طريق مكة، فكل من عرض عليهم هذا الأمر رفضوا رغم الإغراءات والتهديدات، إلى أن وصل إلى أبي رغال، الذي وافق مقابل أجر معلوم ليكون دليلاً لجيوش أبرهة، وكان العرب، قبل الإسلام، يرجمون قبره.
لا شكَّ أن مثل هذا موجود اليوم بيننا، أكان سارقاً أو مُختلساً، أو مدبراً مكيدة للتآمر مع العدو ويدله على مكامن ضعف أمته، فهؤلاء الذين يهرعون إلى الكسب على حساب الشعب، وهم كأبي رغال، خيل هجينة، ساقها عدم الاختيار الصحيح إلى مناصب عليا، فعملت على الإفساح في المجال للفاسدين؛ كي يتغلغلوا في مفاصل بعض الدول، بل بعضهم أصبح صاحب رأي ومشورة؛ لأنه عرف كيف يحظى بثقة صاحب القرار، كابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم، الذي ائتمنه الخليفة لكنه رتبَ مع هولاكو لقتل الخليفة واحتلال بغداد، على أمل أن يُسلمه إمارة المدينة، لكن هولاكو أهانه وقتله بعد تدمير بغداد.
منذ تلك الحادثة لم تتغير الأساليب في السياسة واختيار المسؤولين، فبعض العرب اليوم يعملون على خيانة بلادهم بشتى الطرق؛ لأن الفراسة غابت عن بال أصحاب القرار المؤتمنين على أمتهم وشعوبهم، وإلا كيف يُفسر الوضع المزري الذي وصلت إليه بعض الدول العربية، وسوء المالية العامة والبنية التحتية، والتعليم، وتهاوي سعر صرف العملات في عدد منها؟
كل هذا وأكثر ستشهده الدول حين يجري الاختيار وفقاً للمُحاصصة، أو "الواسطة"، أو "هذا ولدنا"، عندها ستتراجع، وستغرق بالأزمات والمشكلات؛ لأن المسؤولين الفاسدين يهمهم أن يشبعوا بطونهم، ولا يهمهم إذا أذلهم وأهانهم رؤساؤهم.
في هذا الأمر يحضرني المثل الخليجي "طالع وجه العنز واحلب لبن"، الذي يضرب للشخص جميل المنظر حسن الوجه، لكنه غير نافع، إذ حين يرى المرء سلوك بعض المسؤولين أصحاب وجوه حسنة المنظر، لكنها أخفت الفساد والخيانة، وكلفت دولها الكثير من الخسائر.
يبقى السؤال: هل يمكن للعرب أن تعود إلى تلك الفراسة، وتختار المسؤولين الذين لديهم عزة نفس وشجاعة، فذئاب المال والمصالح الشخصية أصبحوا اليوم كثراً إلى حد لم نعد نفرق بين الأصيل والهجين، وباتت بعض الدول مُهددة بمصيرها جرّاء هؤلاء المهجنين، بل ينطبق اليوم على بعض العرب قول الله سبحانه وتعالى: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" صدق الله العظيم.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار