يا ولاة الأمر… محاربة الفساد تحتاج إلى رجال

طلعت الشمس على الحرامية، وبدأت تنكشف سرقاتهم، لكن ما جرى إلى اليوم ليس كل الحكاية، فهؤلاء هناك من يحميهم، ولهذا فإن اللصوص الصغار يحاولون إخفاء الكثير من ارتكاباتهم كي لا يفضحون من ضمنوا لهم الحماية.
لكن حين بدأت المحاكم تضج بسرقاتهم، فإن بعضهم هرب من البلاد، وغيرهم يحاولون تلفيق الأكاذيب والتهم للآخرين، كي يبعدوا الأضواء عنهم، وكلما ضاق الخناق على المتهمين انكشف الذين يساندونهم، ويعملون على مخالفة القانون حتى يبقوا بعيدين عن السجن.
ليست الكويت وحدها التي استشرى الفساد فيها بهذا الشكل، فهناك دول أخرى عدة عانت منه، وزعم اللصوص فيها أنهم فوق الشبهات، لكن حين دقت ساعة المحاسبة وجدوا أنفسهم خلف القضبان، رغم أنهم من كبار المسؤولين، لكن القانون حين يُنفذ عبر أيد لا ترتجف، وتكون هناك عزيمة على تطهير المؤسسات، عندها تصبح العزوة العائلية، والطائفية والقبلية مجرد ديكور لا لزوم له، ويكون لسان حال الفاسدين: عليَّ وعلى أعدائي، فيهدمون الهيكل على الجميع.
هذا الأمر مفيد للدولة كي تشفى من الأمراض، وتصحح مسيرتها، هكذا حدث في سنغافورة، حين أطلق لي كوان يو مسيرة الإصلاح، وكان هو الجراح الذي شق مبضعه دمل الفساد وأخرج القيح من المؤسسات، وكذلك حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة، حين اشتم الشيخ محمد بن راشد رائحة فساد في بعض دوائر دبي، فعمل على إزالة أسبابه أولا، ومحاسبة المتورطين فيه، وكذلك حدث في قطر التي سجن فيها وزير مالية، وعدد من المسؤولين.
أما العملية المؤلمة من أجل صحة الدولة، فكانت في الممكلة العربية السعودية، حين عمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبناء على توجيهات من الملك سلمان بن عبدالعزيز، على توقيف عشرات الأمراء ورجال الأعمال والشخصيات، الذين كان لهم صيتهم، وكانوا يرون أنهم فوق المحاسبة، لكنهم فجأة وجدوا أنفسهم لا يساوون جناح بعوضة عندما حان موعد الحساب، وفي كل ذلك كان القادة هم من يصنعون العقوبة وفق القانون.
الدول التي عالجت ذلك المرض، وأحيانا بعمليات مؤلمة، إنما كانت تحصن الوطن من الخيانة الداخلية، التي قال عنها نابليون: “مثل الذي خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه”.
نعيش في الكويت حالة عجيبة، لا تقف عند السرقة، بل في كثير من المؤسسات التي يعين فيها من ليس أهلاً، في مراكز حساسة، اقتصادية وأمنية وسياسية، وهو محمي من نافذ، ولا يخدم الدولة، إنما يوالي الذي عينه، ويهتم بمصالحه الشخصية، لأنه يدرك حين يحين أوان خروجه من المنصب أنه سيصبح “كبش فداء”، وهو في الحالتين خائن للوطن.
لهذا، إذا كانت هناك عزيمة على الإصلاح، وتخليص البلاد من آفة الفساد والسرقة، لا بد من محاكمة الذين عينوا هؤلاء، ومن ساندهم، ومن عمل على تسهيل مهماتهم، أما أذا بقيت الحال على ما هي عليه، وسادت الانتقائية في المحاسبة، فلا طبنا ولا غدا الشر.
بناء الوطن وصيانة مؤسساته يحتاجان إلى أقوياء أمناء، وإلى عزيمة وإرادة، وليس “حب خشوم” ولا “هذا ولدنا”، وفي هذا الشأن ثمة مقولة شعبية: “هناك من سمعوا أن الوطن غال فباعوه”، أوليس هذا ينطبق على من جُعل في منصب حساس فخان الأمانة، إن كان وزيرا أو رئيس وزراء، أو حتى موظفا صغيرا؟
أحمد الجارالله