

أوقفوا الدعم…وارفعوا الرواتب
أحمد الجارالله
عادت وزارة التجارة والصناعة الى رفع 42 سلعة من البطاقة التموينية، بعد ثلاث سنوات من ادراجها فيها، ومنها "الشاي والأجبان واللحوم والأسماك المجمدة"، وكأن الهدف ليس فائدة المواطن، انما تنفيع التجار المستوردين لهذه السلع، ما يعني ان الدعم هو بوابة للهدر على حساب المال العام.
لا شك ان السلع المرفوعة من البطاقة التموينية ليست ما يحتاجه المواطن، لان المهم من كل ذلك هو تحسين معيشته، والاهم ان يكون الدعم ذا جدوى، وليس التنفيع، لا اكثر.
حين تنفق الدولة ما يزيد على سبعة مليارات دينار على دعم السلع والخدمات، فيما لا تزال تعاني من عجز مالي، فهذا يعني انحرافا عن الهدف الصحيح، لهذا من الضروري النظر الى استدامة قوة الدولة المالية، اذ لا يمكن ان تكون رفاهية المواطن الثري وغير المحتاج على حساب المواطنين كافة، وكذلك ليس من العدل ان يعمم الدعم على الجميع، فيما العجز السنوي يزداد.
فحين ترفع التجارة هذا العدد من السلع، وهي بالمناسبة التي ادرجت في العام 2021 فهذا، اذا احسنا النية، ألم تشكل اي عامل مهم في تحسين الوضع الغذائي للمواطن، انما كانت موجودة لدى تجار وارادوا التخلص منها من خلال ادراجها بالبطاقة التموينية، وهذا لا شك اكثر وجوه الفساد وضوحا، ولا يخدم المواطن في شيء.
قلنا في مناسبات سابقة، وقال غيرنا، ان الدعم وفق ما هو معمول به لن يخدم المواطن، ولا مالية الدولة، انما يعزز ثروات قلة من التجار، وهو يفتقر للعدالة كليا، لانه في دعم الكهرباء، مثلا، فالمستفيد منه اصحاب العقارات الكثيرة الذين يؤجرون الوحدات السكنية الى الناس، ومن دون ان يدفعوا الثمن الحقيقي لهذه الخدمة.
هناك الكثير من الحلول للتخلص من هذا الهم الذي يضغط سنويا على المالية العامة، يبدأ من رفع الدعم كليا عن السلع والخدمات، وزيادة رواتب محدودي الدخل والمتدنية معاشاتهم، وحصر البطاقة التموينية بالأشد حاجة لها، وليس تعميمها، ووفق شرائح كحدين ادنى واعلى للاستهلاك.
كذلك الامر بالنسبة للبنزين، وغيره من السلع التي تذهب الى غير المحتاجين، بل يباع بعضها في السوق السوداء، وحين يتكلم بعض النواب شعبيا، وانهم ضد مس جيب المواطن، سرعان ما تعمل الحكومة بما يمليه عليها هؤلاء من دون النظر الى الواقع الاقتصادي للبلاد، او قدرة المالية العامة على خدمة تلك المطالب، وكأنها تعمل بالمثل الشعبي "مال عمك ما يهمك"، ولا شك ان هذا ليس اسلوباً صحيحاً لادارة دولة.
لنقولها صريحة: المسألة ليست قصة رفع بعض السلع من البطاقة، انما وقف الهدر المالي الكبير، الذي اذا استغل بالطريقة الصحيحة يمكنه توفير سيولة هائلة لتنفيذ مشاريع صناعية وغذائية وتحويلية تدر على المواطن الكثير من الفوائد، أما الاستمرار بلعبة رفع بعض السلع او امرار غيرها، فهي باتت مفضوحة، ومن تابع الاحداث منذ الاعلان عن استجواب رئيس مجلس الوزراء، وحتى صعوده المنصة، والصفقات التي ادت الى جعله خالي الدسم، يدرك ان ما يحاك في ظلمة الليل الدامس اكبر بكثير مما في الفخ.