

يا ولاة الأمر… أين المراجع السري؟
عند افتتاح مجلس الأمة في العام 2022، أعلنت الحكومة أن هناك مراجعاً سرياً لكشف التقاعس والرشوة، وغيرها من الأمور التي تُعرقل عمل الجهات الرسمية، ويومها صفق المواطنون ابتهاجاً بهذه الخطوة التي اعتبرت أنها بداية لعملية إصلاح إدارية جدية وجذرية.
ورغم وجود هيئات رقابية كثيرة في البلاد يصل عددها إلى نحو 19 هيئة، إلا أن الفساد لايزال يعمُّ مؤسسات الدولة، فيما بات الاعتقاد بأنَّ المُراجع السريَّ يحتاج إلى مراقب سري عليه.
في هذا الشأن ثمَّة حكاية متداولة في بعض بلاد الشام، عن أن والي إحدى الولايات في العهد العثماني، وعندما كَثُرَ الغلاء في البلاد، عَيَّنَ شرطة سرية أطلق عليها يومها "الشليتية"، وكانت تعمل على مراقبة الأسعار التي يضعها التجار في الشام.
لكن بعد فترة قصيرة اكتشف الوالي أن الأسعار زادت، وأن تلك الشرطة أصبحت ترتشي من التجار، فعيَّن مراقبين على الشرطة، وكان اسمها "السرسرية" لمراقبة "الشليتية"، لكن هؤلاء كانوا أكثر طمعاً من غيرهم.
هذا الأمر يبدو أنه وصل إلى الكويت، فالمراجعون السريون إما غابوا عن المشهد، وإما أصبحوا يستغلون عملهم من أجل مصالحهم الخاصة، لهذا يومياً هناك فضائح يندى لها الجبين عن الفساد الذي وصل إلى العظم؛ لأنَّ من اختيروا لهذه المهمة لا يُمكنهم الخروج من العباءة القبلية أو الطائفية أو المناطقية، فـ"قوة العزوة" الضاربة أطنابها في الكويت لا تبني مؤسسات، بل تحوّلها مزارع، فإذا كان الوزير أو المدير يأتي بـ"ربعه" ويجعلهم أصحاب قرار، فمن أين يأتي الإصلاح؟
أصحاب القرار في كلِّ الدول يستعينون بالخبراء الأكفاء الشرفاء، الذين لا يداهنون أحداً، ولا يعملون من أجل مصالحهم، بل يضعون أمام الحاكم كل الحقائق حتى لو كانت تضرُّ بمصالحهم الخاصة؛ لأنهم مؤتمنون على مصالح الدولة العليا، وعلى مصائر الناس، بل إن المسؤول يسمع كل الآراء المُخالفة لوجهة نظره قبل تلك المؤيدة؛ كي يصل إلى القرار الصائب، وليس كما يحصل في الكويت، إذ تصدر الحكومة قراراً اليوم، وتلغيه غداً.
من الأمثلة على ذلك، قضية القروض، إذ رغم أنها تشغل الناس، إلا أن النواب يُحاولون الاستفادة منها انتخابياً، بينما الحكومة تتردد في قرارها؛ لأن هناك من يوافق وآخر يضع ألف علة؛ كي لا يستفيد المواطن المكتوي من القرض، وكذلك المدن الإسكانية، التي أصبحت بازاراً لكلِّ مَنْ يريد الاستفادة والثراء من معاناة المواطنين، بينما مرات عدة قلنا، ومنذ زمن، إن حلها يحتاج إلى قرار على غرار ما فعلته الدول المجاورة، التي أغلقت هذا الملف، وإلى الأبد.
حين يتحكم التردد بصاحب القرار التنفيذي تصاب الدولة بالشلل، ولهذا تقع المؤسسات بما يُشبه البلبلة، جراء غياب القرار، وافتقاد الرؤية الحكومية التي يمكن التعويل عليها، ولهذا تتعطل كلُّ الأمور، بينما تزدهر سوق الشعارات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
لهذا أصبح المراجعُ السريُّ مجرد شعار أطلق في مرحلة من أجل تسلية الناس، أو لإبعاد الأنظار عما يجري في مؤسسات الدولة التي استشرى الفساد فيها إلى حد "اتسع الخرق على الراتق"، ولم تعد هناك إمكانية للإصلاح إلا بعملية جراحية مؤلمة.
أحمد الجارالله