الاثنين 23 سبتمبر 2024
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

75 عاما على النكبة... أين دولة فلسطين؟

Time
الثلاثاء 16 مايو 2023
View
11
السياسة
الفرد عصفور

منذ هزيمة عام 1967 وحتى معاهدة "كامب ديفيد" وإلى الانتفاضة الأولى، ومنها إلى مدريد وأوسلو، وحتى انتفاضة الأقصى، وحتى اليوم، كل هذه كانت فرصا ضائعة بينما الوقائع على الأرض الفلسطينية تتغير لمصلحة إسرائيل.
عشية مؤتمر مدريد للسلام حلل الملك الحسين بأسى طبيعة التعامل العربي مع القضية الفلسطينية بقوله: "إن المدقق في الخط البياني للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يغفل عن ملاحظة أن هذا الخط في انحدار مستمر. فما من فرصة للسلام أتيحت عبر مسار القضية إلا كان الممكن تحقيقه منها أقل مما أتاحته الفرصة التي سبقتها".
بناء على هذا التحليل المنطقي والواقعي، لو استعرضنا مختلف الحلول التي عرضت لحل القضية، لوجدنا أن كل منها مزاياه ومكاسبه للفلسطينيين، وهو أقل من الذي سبقه.
فقد ضاعت فرص كثيرة بسبب السياسات السطحية، وسيطرت العاطفة وغاب العقل. ومنذ "وعد بلفور" لم يكن العرب في موقف أفضل مما كانوا عليه في مرحلة سابقة.
لم يكن لينتج عن عملية السلام دولة فلسطينية، ففي حين ظن كثيرون أن المفاوضات ستأتي بالحل العادل والشامل المتضمن إقامة الدولة، وتبين أنها لم تفعل، وخصوصا "أوسلو" التي أنشأت سلطة فلسطينية في الأراضي المحتلة، لكنها لم تقم الدولة برغم اعتقاد الفلسطينيين أن بمجرد "توقيع أوسلو" سيكون الانسحاب الإسرائيلي مؤكدا.
منذ بداية القرن العشرين لم يتوقف الحلم بإقامة الدولة الفلسطينية، لكن منذ ذلك الوقت كانت القيادات العربية، وبخاصة الفلسطينية منها، تفتقد الرؤية الواضحة والمرونة التفاوضية، والكفاءة السياسية، والمعرفة بديناميات النظام العالمي، فأخفقت في تهيئة كوادر فلسطينية يمكنها حمل أعباء إقامة الدولة.
ومع أن "وعد بلفور" الذي به بدأت نكبة فلسطين لم يكن سوى تصريح سياسي لا يحمل أي قيمة قانونية أو تشريعية، إلا أن تأثير النفوذ الصهيوني جعله ليس فقط التزاما بريطانيا، بل التزاما أمميا، وجعل منه وعدا في صك الانتداب بإقامة دولة يهودية في فلسطين.
في سنوات الانتداب هيأت بريطانيا الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فلسطين لمنفعة الحركة الصهيونية، وتسهيل إقامة الدولة اليهودية، بينما لم تستطع القيادات الفلسطينية انتهاز الفرص في تطوير مؤسساتها الخاصة التي تخدم إقامة دولتها، فرفضت، مثلا، إنشاء وكالة عربية في موازاة الوكالة اليهودية لتهيئة المجتمع العربي في فلسطين لمرحلة الدولة، ولم يتم تأسيس صندوق قومي عربي لحماية العقارات العربية. كان الانتداب البريطاني هو العائق الأول أمام إقامة الدولة الفلسطينية، ولم يفعل أي شيء لضمان ممارسة الفلسطينيين حق تقرير المصير.
كما أن الدول الكبرى حاولت فرض تسويات لكنها لم تكن عادلة، فكانت جميعها غير مقبولة، كما أن قرار التقسيم لم يكن مجديا،وهو لم تصوت عليه بريطانيا التي اقترحته، وكان مجرد توصية ورفضت بريطانيا والولايات المتحدة التدخل لتنفيذه بالقوة.
كذلك أضاع الاضطراب السياسي الذي شهدته البلاد العربية في خمسينات وستينات القرن الماضي الجهود العربية لدعم الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، عندما اتخذ قادة الانقلابات من القضية غطاءً لسوء استغلال السلطة.
واذا كانت الأحداث السابقة مجرد معوقات في طريق إقامة الدولة الفلسطينية فإن حرب حزيران 1967 كانت الضربة القاضية، فالاحتلال الطويل زرع الأرض بالمستوطنات وأقام الجدار العنصري الذي قسم الضفة الغربية وقضم أراضيها.
من يريد دولة فلسطينية؟
منذ بداية القضية لم تكن هناك أي دعوات واضحة سواء عربية أو دولية لإقامة دولة فلسطينية، وحتى عندما كانت تخرج بعض الأصوات المطالبة بإقامة الدول كانت هناك معارضة واضحة لذلك.
وقد شارك العديد من أصحاب المصلحة، منهم فلسطينيون، وأحيانا عرب، وأحيانا أجانب، وفي معظم الأحيان إسرائيليون وأميركيون، في إعاقة الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة.
أول مقترح كان يمكنه ضمان إقامة دولة فلسطينية صدر عام 1937عبر لجنة بيل الملكية البريطانية التي اقترحت إقامة كيان إسرائيلي في مساحة تقل عن ربع فلسطين، ودولة عربية في باقي فلسطين، لكن العرب رفضوا بشدة. وعندما عادت بريطانيا إلى فكرة التقسيم في العام 1947 أيدته الحركة الصهيونية، لكن العرب ظنوا أن التقسيم سيكون فقط في صالح الجانب اليهودي، من غير أن يكون لديهم القوة الحقيقية لإبطال المشروع، فأضاعوا من فلسطين أكثر مما أضاعته الأمم المتحدة.
كانت الدول العربية مترددة في دعم إقامة دولة فلسطينية بعد رفض قرار التقسيم، ورفضت مناشدة الهيئة العربية العليا لدعم إقامة حكومة فلسطينية في المنفى لملء الفراغ، الذي أحدثه انسحاب الانتداب من فلسطين.
لكن العائق الأكبر كان الانتداب البريطاني نفسه الذي أراد أن يجعل من فلسطين وطنا قوميا لليهود متغاضيا عن حقوق العرب الذين كان يصفهم بأنهم مجرد جماعات غير يهودية.
خلال 75 عاما لم يفعل المجتمع الدولي الكثير لمساعدة الشعب الفلسطيني، وهذا سمح لإسرائيل بالتمادي في تغيير الحقائق على الأرض وتوسيع المستعمرات وزيادة أعداد المستوطنين. مع ذلك ظهرت أحيانا ظروف كان من الممكن لو استفاد منها أصحاب المصلحة المعنيون أن تؤدي إلى تسوية تقود إلى إنشاء دولة فلسطينية، لكن عندما ظهرت تلك الظروف حال العناد الإسرائيلي، والانقسامات العربية، وانقسامات الفلسطينيين دون اتخاذ أي خطوات حقيقية في هذا الاتجاه. وبينما كانت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة العربية لم يكونوا راغبين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة،
وبينما تحتفل إسرائيل هذا الشهر بالذكرى الخامسة والسبعين لقيامها على أرض فلسطين يستذكر الفلسطينيون نكبتهم ويتأملون في ما جرى لهم طول هذه السنوات، ويتساءلون: لماذا اجتمعت كل الظروف الدولية والإقليمية على حرمانهم من حق إقامة دولتهم المستقلة؟

كاتب اردني
آخر الأخبار