

9000 قضية شيكات من دون رصيد خلال 5 سنوات
محامون يطالبون بضرورة وضع تشريع يلغي "عقوبة الحبس"
- "التمييز": الشيك أداة وفاء تجري مجرى النقود إذا لم يحمل أي مظهر لاعتباره أداة للائتمان
- حسين العبدالله: على البنوك النظر بإصدار دفاترها وضمان الحقوق دون حبس مُصدرها
- علي الواوان: عقوبات قضايا الشيكات بدون رصيد أدت إلى كوارث اجتماعية
- انعام حيدر: معظم قضايا الشيكات نظير شراء مواد استهلاكية



جابر الحمود
ألغت محكمة التظلمات أخيرا أمراً بمنع سفر أحد المواطنين مدين بمبلغ 165 الف دينار، وذلك بعد دفاع المحامي راشد الزوير الذي دفع باستحالة هروبه وتنازله عن كافة الامتيازات التي تقدمها له الدولة من أجل هذه المديونية.
ولفت هذا الالغاء الاهتمام، حيث يأتي تزامناً مع إحصائية تؤكد ارتفاع معدلات "جرائم" اصدار شيكات بدون رصيد خلال الـ5 سنوات الماضية.
فقد أحصت النيابة العامة خلال المدة المذكورة تسجيل نحو 9 آلاف و199 قضية في هذا الصدد، أي ما يقارب 5 قضايا يوميا، الامر الذي يطرح ضرورة وضع تشريع يلغي ما يعرف بـ"الحماية الجزائية"، وهو الحبس، لتخفيف كثير من الضغوط على عاتق سلطة التحقيق والسلطة القضائية.
وتؤكد محكمة التمييز، في أحد أحكامها البارزة، أنَّ جريمة إصدار شيك من دون رصيد أن يكون له مقابل وفاء قائم وقابل للتصرف فيه، تتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك للمستفيد، مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قائم وقابل للتصرف فيه، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول، وتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك بالعقاب عن هذه الجريمة، باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات.
وفي حكم جزائي آخر أمام محكمة الاستئناف، قضت ببراءة رجل أعمال من إصدار بسوء نية "شيك" بإجمالي 4.24 مليون دينار، بعد ان أثبت تحرير الشيك موضوع الاتهام كضمان لتنفيذ التزام معين، وان المتهم لم يقصد باصدار الشيك سوء نية ليجري مجرى النقود في التعامل، لكنه قصد من ذلك وضعه لدى المستفيد كضمان لحين الانتهاء من تنفيذ الالتزام المتفق عليه.
"السياسة" قامت باستطلاع آراء عدد من المحامين الذين طالبوا بتعديل القانون والغاء عقوبة الحبس الذي سيوقف اللجوء الى الشيكات المؤجلة، ويكرس استخدام الشيك كوسيلة للوفاء وليس للائتمان، حث ان اصدار الشيك بلا رصيد هو الجريمة المالية الجزائية الاكثر انتشارا في الآونة الاخيرة، ويكلف الدولة الكثير من الوقت والجهد والمال في مراحل التوقيف والتقاضي والحبس.
إلغاء الضبط والاحضار
وقال المحامي حسين العبدالله لـ"السياسة" إن إلغاء الضبط والإحضار على المدينين بعد إلغاء المشرع الكويتي بالقانون رقم 71 لسنة 2020، بشأن إصدار قانون الإفلاس حبس التاجر أو إصدار أمر بضبطه وإحضاره، فإن ذات الفلسفة التشريعية التي بنيت على أثرها فكرة إلغاء الحبس على التاجر تجد صداها أيضاً بحبس مصدر الأوراق التجارية، وتحديداً ورقة الشيك، مبينا أنه بات على المشرع أن يعيد النظر في هذه الورقة التي أودعت في السجون الكثيرين من التجار والمتعاملين بالأوراق التجارية كضمان.
وأضاف العبدالله أن فكرة إلغاء تجريم إصدار الشيك بدون رصيد من قاموس قانون الجزاء، باعتباره ورقة تجارية يتعين ربطها بضمان البنوك لها أولاً تجاه الغير، وهو ما يعني أن البنك مصدر دفتر الشيكات للتاجر هو من يضمن للمستفيد أداء كل الديون الواردة بدفتر الشيكات، وإلا امتنع على البنوك إصدار دفاتر للشيكات لأي عميل لديها إلا ذلك العميل الذي تضمنه وتتأكد من ملاءته المالية.
وأفاد بأن إلغاء تجريم الشيك كورقة تجارية له ما يبرره، شريطة أن تضمن البنوك عملاءها تجاه المستفيدين، ولها أن تعود على هؤلاء العملاء لاحقاً لتحصيل الديون منهم، أو تمتنع عن إصدار دفاتر الشيكات، ويرصد الواقع العملي صرف عدد من البنوك لعدد من عملائها كأشخاص أو شركات دفاتر شيكات، دون أن تتأكد من ملاءتهم المالية أو قدرتهم على الوفاء، وهو ما يدفعهم إلى إصدار شيكات للمستفيدين دون الوفاء بها.
وأضاف: في حين أنه كان يتعين على البنوك أن تمتنع عن إصدار تلك الشيكات، لعدم قدرة العملاء على ضمانها، أو أنها إن أرادت منح تلك الدفاتر فعليها أن توفي للغير من المستفيدين بقيمتها، وتعود هي على عملائها لتحصيل تلك الديون.
وأكد أنه على ذلك يتعين على البنوك إعادة النظر في فكرة منح دفاتر الشيكات وإيجاد طرق لضمانها من العملاء بعيداً عن التجريم، وحبس التاجر على ذمة دين تجاري، وفق قانون المرافعات الذي ألغته الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون رقم 71 لسنة 2020 بشأن الإفلاس، يتضمن ذات الفلسفة بالحبس لنفس التاجر، وفق المادة 237 من قانون الجزاء لإصداره شيكا بدون رصيد كوفاء لدين تجاري، أو لإصداره شيكا يضمن تعاملاته التجارية ولم يستطع أن يوفي بها، ومن ثم تحول إلى معسر لا يستطيع أن يوفي بتعهداته المالية، ومن ثم فإن المنطق التشريعي الذي أدى إلى إلغاء حبس أو ضبط أو إحضار المدين هو ذاته الذي يواجه التاجر مصدر ورقة الشيك بدون رصيد.
تساؤل مهم
وقال العبدالله إن هذا الأمر هو الذي يثير تساؤلا مهما، وهو هل يقدم مشرعنا على إلغاء عقوبة الشيك بدون رصيد حماية للتاجر من الحبس أم ان التاجر الذي تم إعفاؤه من الضبط والإحضار، وفق قانون المرافعات، ليس هو ذات التاجر الذي يلاحق وفق قانون الجزاء لإصداره شيكا بدون رصيد؟
ويضيف: إنها المفارقة التي غابت عن ذهن المشرع لدى حمايته التاجر وفق قانون الإفلاس الذي عني بحمايته من جانب، وتركه عرضة للحبس وفق قانون آخر هو قانون الجزاء، ما يستدعي مراجعة التشريع والنظر إلى كل أبعاده.
كوارث اجتماعية
بدوره أوضح المحامي علي الواوان أن "العقوبة الجزائية لقضايا الشيكات بدون رصيد أدت الى كوارث اجتماعية بسبب الاساءة في استخدامها"، معتبرا أن القانون جاء بغرض حماية الشيك واحترام هذه الورقة واحترام التنظيم المصرفي في الدولة، مع خلق ثقة وقدرة على الاداء ليكون أداة وفاء.
وأشار الواوان في تصريح مماثل لـ"السياسة" الى أن بعض الدول اتخذت وسيلة جزائية للمحافظة على مكانة الشيك، لكن في الكويت أخذت منحنى آخر، اذ ان التشريعات اتجهت الى عقوبة الشيك بدون رصيد بعد قضايا نصب واحتيال عدة، ولكن المشرع الكويتي غالى في العقوبة بإجراءات قمعية ضد المتسبب، وتم قلب هذا القانون من قبل الجهاز النيابي والقضائي من أجل استيفاء الديون من أجل الدائن، مع أنه لا يوجد أي مبرر لإبقاء التي يمكن الاستغناء بها عن الجزاءات.
وشدد الواوان على أن المشرع الكويتي لم يعالج القضية، خصوصاً أن 70 في المئة من قضايا الشيكات هي عبارة عن نصب واحتيال وتحريض على الجريمة.
وتطرق الى النواحي الاجتماعية والمآسي والمعاناة التي تترتب عليها قضايا الشيكات بدون رصيد قائلا إنها لا تستدعي هذه الجزاءات، حتى أن المحاكم ابتدعت في الآونة الأخيرة طريقة جديدة لتداخل الشيكات من أجل الحد من تفاقم القضايا، مع أن الشيك عملية مدنية تجارية تستخدم كوسيلة أداء ويمكن للمشرع التدخل في تغليظ العقوبة.
ورأى أن العقوبة أخذت منحنى غريباً وعجيباً باصدار عقوبات مقلوبة، أوجدها القانون الجزائي، اذ ان هناك 90 في المئة من قضايا الشيكات بدون رصيد أمام المحاكم، هي عبارة عن كفالات مالية مقاولات، وعمليات تمويلية.
قضية الساعة
من جهتها؛ أكدت المحامية انعام حيدر أن قضية الشيكات بدون رصيد أصبحت قضية الساعة لأهميتها، مبينة أن هناك متابعة دقيقة من قبل البعض لردود فعل هذه القضية، باعتبارا مسألة قانونية فنية دقيقة اذ انها ترتبط بمصلحة مالية.
ولفتت الى أن "الشيك عبارة عن 3 أوراق مالية، وهي الشيك والكمبيالة والسند، لكن المجتمع الكويتي تعود على الأقساط، ما أدى الى ايقاع الطبقة المتوسطة ودونها في هذه الجريمة من أجل الامتلاك، وتم ايقاع هذه الطبقة على يد المكاتب التجارية والتي استطاعت تسهيل المعاملات وترغيمها وتشجيعها، اضافة الى عدم نظر النيابة في الفاعل الأصلي للشيك والدوافع الأساسية.
آلاف المتضررين
وأشارت حيدر الى المراحل كثيرة مر بها قانون عقوبة الشيكات بدون رصيد حتى عام 1986 عندما تحولت هذه القضايا من احترام النقد الى جريمة، باعتبارها مجالاً خصباً لعمليات أخرى من النصب والاحتيال، مبينة أن معظم هذه القضايا نظير شراء المواد الاستهلاكية.
وقالت إن هناك أكثر من 9 الاف قضية شيكات بدون رصيد خلال الـ5 سنوات الماضية، وأكثر من 6 آلاف أسرة متضررة، اضافة الى استحداث أمور أخرى حول الابتزاز من قبل الآخرين.
وأفادت بأنه ليس بحال في القانون تعديل العقوبة أو خفضها، اذ ان هذا يؤدي الى فوضى قانونية، مطالبة مجلس الأمة بـ"رفع الحماية الجزائية والغاء العقوبة على الشيك من أجل انقاذ المتورطين وتخفيف المعاناة عن ذوي المساجين وهي تشمل قضية انسانية تسجل للمجلس".
وذكرت أنه "خلال أربعين عاماً والسوق يرضع من دم البشر وعليهم أن يبحثوا عن مصادر أخرى".
المهنا: براءة بعد إدانة
المحامي عبدالله المهنا قال لـ"السياسة" انه تحصل على حكم امام محكمة الاستئناف الجزائية ببراءة موكله من اصدار شيك دون رصيد بعد ان قضت قضت محكمة اول درجة بإدانته، لان الحكم شابه من الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالاوراق.
وذكر أنه أوضح في مرافعته أن الشيك صدر كضمان لتنفيذ الاتفاق بين المتهم والمستفيد، ولم يطرح هذا الشيك للتداول، وانما كان لدى المستفيد على سبيل الأمانة والضمان، ودفع بانتفاع أركان الاتهام المسند الى المتهم بركنيه المادي والمعنوي.
وأوضح ان المشرع اشترط لقيام الجريمة ان يكون اصدار الشيك بسوء نية، وأن يكون الجاني قد أصدر الشيك ليجري مجرى النقود، وأن المحكمة اطمئنت إلى ان الطرفين قد اتفقا بما لا يدع مجالا للشك على أن تحرير الشيك موضوع الاتهام كضمان لتنفيذ التزام معين وأن المتهم لم يقصد اصدار الشيك بسوء نية ليجري مجرى النقود في التعامل ولكنه قصد من ذلك وضعه لدى المستفيد كضمان لحين الانتهاء من تنفيذ الالتزام المتفق عليه.

1284 قضية خلال 6 أشهر
علمت "السياسة" أن النيابة العامة حققت خلال النصف الاول من العام الحالي في 1284 قضية شيك بدون رصيد.