الجمعة 09 مايو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 أحمد غلوم بن علي
كل الآراء

التجويع كأداة للتركيع

Time
الخميس 07 مارس 2024
View
150
أحمد غلوم بن علي

إلى تاريخ كتابة هذه المقالة، توفي أربعة أطفال جوعا في شمال غزة، وتم إعلان ذلك رسميا من مستشفى كمال عدوان، وأولهم كانت الطفلة ذات العشرة أعوام إلهام جحا من حي التفاح، ووفق علمي المحدود فإن سلاح التجويع الذي يستخدمه الكيان الصهيوني المحتل بدعم من الدول الغربية (المتحضرة والمتقدمة) بالشكل القائم لم يحدث في التاريخ الحديث والمعاصر، على أقل تقدير.

فالمجاعة الناتجة بفعل طرف (وليس نتيجة الكوارث الطبيعية) لم يكن في تاريخنا المعاصر كأداة بحد ذاتها، فمجاعة روسيا عام 1921 كانت بسبب الاستنزاف من الحرب العالمية الاولى، وسياسات الاتحاد السوفياتي تجاه ملاك الاراضي والفلاحين.

ومجاعة الشام عام 1915 كانت بسبب استنزاف الاستعمار الفرنسي للمحاصيل جراء المجهود الحربي للحرب العالمية، وهي وإن كانت جريمة وفوقية فرنسية، إلا أنها لم تكن بهدف تجويع الشعب الشامي، ومجاعة المغرب في 1944، أو عام "البون" كما يسمى، كانت أيضا بسبب سرقة الفرنسيين للمحاصيل من أجل المجهود الحربي، وليس بهدف التجويع لأنهم ببساطة مارسوا الإبادة، آنذاك، في حق الشعب المغربي.

وأما مجاعة فيتنام عام 1945، فكانت بسبب الاستعمار المزدوج لها من فرنسا واليابان اللتين التهمتا جميع المخزون الغذائي لصالح أزماتهما الغذائية الناجمة بسبب الحرب.

أما استعمال التجويع والدفع نحو المجاعة كسياسة لتركيع الطرف الآخر لم نجدها إلا في التاريخ القديم، عندما كانت القلاع تحاصر من أجل الاستسلام.

مع العلم أن هذه القلاع كانت في الغالب ثكنات عسكرية، لكن بوجود أهالي الجنود، ونقرأها نحن اليوم على صفحات التاريخ، وليس كما هو حاصل اليوم في غزة التي تعاني من المجاعة بمعلومية جميع الشعوب، وليس قراءة من إرساليات الـ"تلكس" أو الـ"فاكس"، إنما صوت وصورة عبر جهاز في جيب كل من يمشي على قدمين.

المجاعة لا تعكس بتاتا ضعف الجائع، إنما العكس تماما، فهو يعكس (بالإضافة إلى توحش السلوك ودناءة النفس) ضعف من يمارسها، والضعف والذل للمستمع والمشاهد.

فسلاح التجويع الذي يمارسه المجتمع الدولي، بنظامه القطبي، له انعكاسات خطيرة جدا على العالم العربي خصوصا، فهو يحدث في الدار (العالم) العربي، وعلى بعد كيلومترات من أقطابه، وهذا الانعكاس يشمل أيضا أغلب المجتمعات العربية.

الانكشاف الأمني للمنطقة أحد انعكاساته الرئيسية الأخرى هي تشرذم الشعوب العربية، فإلى الآن تستمع أحيانا إلى نقيق بعض الببغاوات، لماذا ابتدأت "حماس" المشكلة، والمتعاطف إما يعتكف للدعاء وإما يدعو إلى التبرع الخيري، في حين أن المجتمع المسيحي والهندوسي واليهودي (والمسلم أيضا) في الدول الغربية يمارسون جميع أشكال التنديد بجرائم الكيان الصهيوني، وهذا التشرذم والافتراق والهوة في المجتمعات العربية يؤسس لظاهرة اجتماعية وثقافية تعبد لاتفاقات التطبيع المقبلة.

وهكذا الأمر للموت السريري للقوى الاجتماعية، والسياسية، والعمالية، والمدنية في أغلب الدول العربية، والتي تدعو إلى الحرية، ولا تدافع عنها في الاراضي المحتلة، وتدعو الى تحسين الظروف الاقتصادية، والمعيشية، والتحرير الاقتصادي الى جوار شعب يموت جوعا.

لكل هذا، لا نزال نحن مجتمعا متخلفا، مع العلم، أننا الأعلى عالميا في نسب المتعلمين، وأصحاب الشهادات العليا، لكن العلم والثقافة شيئان متغايران، تماما كما هو علم الأخلاق وسلوك الأخلاق، والقانون وثقافة القانون.

إن مسار التطورات الأخير في فلسطين المحتلة، ووصولها إلى دناءة استخدام سلاح التجويع والمجاعة، لن يكون حدثا عابرا، وسيؤسس لمرحلة جديدة، تماما كما حدث بعد مجاعة المغرب الآنفة الذكر، والذي أسس (خصوصا بعد إقدام السلطات الاستعمارية الفرنسية على عزل السلطان محمد بن يوسف ونفيه) إلى مرحلة تحرر وطني.

كاتب كويتي

آخر الأخبار