سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ الدكتور محمد الصباح، نتمنى أن تطول بالك علينا وتسمعنا، على أمل الخروج من الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ عقود جراء الرؤية غير الواقعية للاقتصاد الوطني، التي أقل ما يقال فيها إنها لا ترى إلا حلب الكويت من دون أي إنتاج يمكن التعويل عليه.
سمو الرئيس
حسناً الإعلان عن ارتفاع أصول الصندوق السيادي الكويتي إلى نحو 923 مليار دولار، فيما التوقعات أن يصل إلى المليار دولار، واقترابه من حصيلة نظيره النرويجي، لكن لا بد من النظر إلى أن هذا الارتفاع هو اسمي، بمعنى أنه دفتري، إذا انخفضت الأسهم العالمية سجل خسائر، وبالتالي لا بد من رؤية عملانية تحفظ الأصول السيادية.
لذا نتوجه إلى سموك، وأنت الخبير الاقتصادي والسياسي المخضرم، المطلع على خبايا السياسة الدولية، وانعكاستها على الاسواق العالمية.
وفي هذا الشأن ثمة أفكار عدة لا شك أن سموك على دراية بها، لكن لا بد من التذكير بها، مثلا، ما الذي يمنع من أخذ نحو 200 مليار دولار من هذا الصندوق وتوظيفها في الكويت، لتطوير البنية التحتية، والجزر والمنطقة الشمالية الاقتصادية، بل ان تكون هناك أكثر من منطقة اقتصادية تخدم الإقليم ككل، وبناء مستشفيات وجامعات ومدارس خاصة، وان تتحول الكويت نقطة جذب استشفائي وتعليمي، على غرار بعض الدول الخليجية؟
إن استثمار جزء من الأصول السيادية في الداخل يؤدي إلى انتعاش الحركة الاقتصادية، وتعزيز الدورة المالية، ويشجع على العمل والمبادرة الفردية، وزيادة الإنتاجية التي تحتاجها الكويت، فيما أصبحت ماليتها العامة أشبه بقربة مثقوبة يستنزفها الإنفاق الريعي، من دون أي عوائد، كما أن التوقعات تشير إلى أنه في العام 2030 ستصل الرواتب الى نحو 35 مليار دينار، ومع استمرار الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وهو لا شك ينطوي على مخاطر كبيرة مستقبلاً، لا بد من تلافيها بسرعة كبيرة، وعمل مدروس.
سمو الرئيس
إذا أخذنا النرويج كمثال، فإن البطالة فيها لا تتعدى الاثنين في المئة، وقد ارتفع ناتجها المحلي إلى 579 مليار دولار العام الماضي، وبالتالي فإن صندوقها السيادي يحافظ على أصوله ويتعاظم أكثر، وليس كما هي حال الكويت التي تسجل موازنتها العامة كل سنة عجزاً يكاد يلتهم نسبة ارتفاع الدخل الاسمية المسجلة، جراء تقلب أسعار النفط، بينما في دول "مجلس التعاون" الخليجي الأخرى سجلت نواتجها المحلية ارتفاعات كبيرة اعتماداً على تنويع مصادر الدخل غير النفطية، وهي لم تقع في حفرة التركيبة السكانية، التي لا تزال الكويت تعاني منها، بسبب الشعارات، والرؤية المنحرفة قصيرة النظر.
حين يتخذ القرار في ما يتعلق بتنفيذ خطة تنمية واقعية تقوم على الاستفادة من الأراضي الصحراوية الشاسعة لدينا، والجزر المهجورة، وسواحلنا الممتدة على طول الخليج العربي، فلابد أن يؤسس ذلك لدولة نشيطة، ليس لديها أي مخاطر بنيوية كالتي نعيشها اليوم بسبب الافتقار إلى بنية تحتية، ومناطق صناعية وزراعية جيدة.
وإذا وضعت الحكومة جدولاً زمنياً يجري تنفيذه خلال عامين أو ثلاثة، فإن ذلك لا بد أن ينشط الدورة الاقتصادية في البلاد، لكن ذلك يحتاج إلى وقف الهدر العبثي في المالية العامة، والتحول إلى اقتصاد منتج، عبر البنية التحتية والمشاريع الكبرى، كمدينة الحرير التي هي إلى اليوم مجرد حبر على ورق، فيما يمكن أن تكون واحدة من الأصول المدرة أرباحاً أكثر من المضاربة في أسواق الأسهم العالمية.
سمو الرئيس
إن بناء المناطق الترفيهية، والجامعات والمستشفيات، وغيرها من المرافق، والانفتاح على العالم، لا شك يخفض هدر الأموال على السياحة الخارجية، فهل يعقل أن ينفق الكويتيون 3.1 مليار دينار العام الماضي على السفر إلى الخارج، أليست الكويت أولى بذلك، أم أننا سنبقى كعين عذاري، لأن ثمة قوانين متخلفة وضعتها فئة من النواب المتشددين، وصلت الى حد التفتيش بنوايا الناس، ولأن هناك من لا يريد أن يأتي إلينا أحد، ويحرّم الفرح، لذا نسأل: لماذا لا تكون الكويت محجة للناس من جهات الأرض كافة؟
سمو الرئيس
نكرر القول إن سحب 200 مليار دولار من الصندوق السيادي وضخها في الكويت عبر مشاريع كبرى، هو الحل، لأنه بغير ذلك ستبقى الوكالات الدولية تسجل أرباحاً اسمية للصندوق السيادي، لكنها غير واقعية، إذ يمكن في أي أزمة عالمية أن تتحول خسائر، لهذا لا بد من الاستثمار في الداخل.