شفافيات
من طبع اليهود نقض العهود، حتى بين بعضهم بعضا، وخيانة بعضهم بعضا، وكراهية بعضهم بعضا، كما بين القرآن الكريم: "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ"، ونبذه يعني: نقضه، وهذا في نقض المعاهدات والمواثيق مع بعضهم، ومع غيرهم.
وقد جاء الرسول (صلى عليه وسلم) الى المدينة وفيها قبائل عدة لليهود، ومن خيانتهم لبعضهم أن بعضهم ينضم للأوس من أهل المدينة، وبعضهم ينضم للخزرج عندما يتقاتل الفريقان.
وقال تعالى في وصف تفرقهم وكراهية بعضهم بعضا: تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فهم لا يثقون في بعضهم، ويكره الشرقي منهم الغربي، وهذه حالهم اليوم في الكيان الباطل، الذي يجمع أجسادهم دون أرواحهم.
وأما عن المماطلة والتشكك، والتردد، فقد حكى الله تلك السلوكيات والطبائع كاشفا للعالم تكويناتهم النفسية في حكاية البقرة التي سميت السورة الاطول في القرآن باسمها: وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة؛ في قضية التستر على مقتل أحدهم وتكتمهم على القاتل؛ فلم يقولوا لنبيهم: سنفعل ما تأمرنا ان شاء الله؛ ولم يقولوا سمعنا وأطعنا: والامر أمر النبي والآمر للنبي هو الله عز وجل، وهم قد آمنوا بموسى عليه السلام؛ بل انتفضوا انتفاضة الأحمق الصفيق وقالوا بكل وقاحة لنبيهم موسى العفيف الشريف المتزن الامين: أتتخذنا هزوا؟ وهذا الرد قلة في الادب والاخلاق مع الله ومع نبيهم ان وصفوه بالتهريج، فلم يتوقف موسى عند قلة أدبهم، فقد ألهمه الله الصبر، وقدرة التحمل، فقال لهم النبي وكأنه يخاطب مرضى نفسانيين لا تفيد معهم العصبية ولا الزجر لما يفعلون: قال مستعيذا بالله مما وصفوه به من التهريج، وهو من صفات الجاهلين قال: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين"؛ فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ يعني ما مواصفاتها؛ ولو اكتفوا بذبح بقرة، اي بقرة لكفتهم؛ لكنهم تشددوا، فتشدد الله عليهم، قال إنه يقول اي إن الله يقول "انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" ثم اعقب الوصف: "فافعلوا ما تؤمرون" فلم يتأدبوا من طلب ربهم "فافعلوا ما تؤمرون" واستمروا في الميوعة والتشكك والتردد والمكابرة والغطرسة، فقالوا: ادع لنا ربك يبن لنا ما لونها؟ ولو كانوا اكتفوا بأنها وسط في المرحلة العمرية فلا هي عجفاء عجوز ولا هي بكر حديثة التكوين لكفاهم ذلك.
فرد الله عليهم مضيقا في المواصفات كما كلفوا أنفسهم فقال: إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين؛ فأين أصحاب النظر منهم حتى يميز البقر الاصفر من بعضه؛ فهذه صفراء باهتة، وتلك صفراء غير فاقعة؛ وتلك فاقعة صفراء، لكن روح لونها واقف جامد فلا تسر الناظرين؛ فالألوان كما بين القرآن كأن لها ارواحا ودماء خفيفة وثقيلة حال البشر، وحال معظم الاشياء في الكون؛ فلم يعثروا على مواصفات ما طلب منهم؛ وزادوا في التضييق على انفسهم؛ فقالو: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون؛ وقولهم ادع لنا "ربك" فيه قلة ادب وتعالٍ وقلة حياء، هكذا قالوها: ربك؛ وقولهم ربك؛ حين قالوا ادع لنا ربك وكأنه ليس ربهم ورب آبائهم ورب العالمين؛ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها.
أي أنها بقرة غير مستهلكة، ولا شيء يعيبها، فخففوا من تلكؤهم حين واجههم موسى بالجدية، وخافوا أن يصيبهم الله بشيء من عذابه، وغضبه كما يبدو؛ فقالوا مظهرين الليونة والموافقة: الآن جئت بالحق.. فذبحوها.. وما كادوا يفعلون، وهكذا حال يهود كما اطلعتم.
أكتفي بهذا فقد.. اطلت في الشرح.
كاتب كويتي
[email protected]