في أمثالنا الخليجية قول "إذا كثروا الربانبة غرقت السفينة"، وإن تعددت الآراء فسد القرار، أو كما تقول العامة "كثرة الطباخين تفسد الطعام"، لأن الدولة، أي دولة، إذا سعت إلى التقدم والنمو عليها أن تتمتع بقيادة واحدة لا تتردد بالقرار، رغم أنه أحياناً يكون رأي الحاكم خطأ، لكن العودة عن الخطأ فضيلة، أما فوضى الرأي والقرارات فيعني الخراب، لأن كل واحد من الربابنة سيقول الصواب عندي، وفي عصر التكنولوجيا، وطغيان الـ"سوشيال ميديا" يكون لكل ربان من هؤلاء جمهوره الذي يؤثر على الآخرين، وبالتالي "تضيع الطاسة".
لهذا يحفل التاريخ بالكثير من القادة الذين كانت لهم بصمات حضارية في دولهم، لأن مهمتهم كانت واضحة وهي تحقيق مصلحة الجماعة وليس مصلحتهم الشخصية، وهي الوصول بالمركب إلى بر الأمان من دون خسائر، لا في الأنفس ولا البضائع، أما إذا تعدد القادة، وأصبح لكل منهم أنصاره فإن ذلك يجعل دفة القيادة في مهب الريح التي لا تكون دائماً كما تشتهي أشرعة السفن.
لقد عايشنا في العقود الماضية أوضاعاً شاذة كثيرة بسبب تداخل الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكأن أشرعة سفينة الكويت تركت لرياح تقودها، في ظل غياب قيادة تنفيذية واعية للظروف الحساسة التي مرت بها، ولا تزال، وهو أثر على المسارات كافة، الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأمنية، وكأننا لم نتعلم من درس الغزو، بكل مآسيه.
على العكس من ذلك، فيما الدول التي قامت بها حضارات سعت إلى قيادة واحدة، وحين اكتملت مراحل نموها، الاجتماعية والاقتصادية، سارت نحو التطور الديمقراطي بخطى واثقة، لأنها أدركت أن البناء الذي يقوم على خلل سرعان ما يؤدي إلى خرابه، وتذهب جهود الشعوب والسنين سدى.
لم يكن في أي دولة ناهضة عشرون ربان سفينة، ولا 66 قائداً لمعركة البناء، ولم تسمع فيها مقولة "الزين عندي وحدي"، كما حصل في الكويت طوال العقود الماضية باسم الديمقراطية، التي للأسف،أخذنا منها الجانب السلبي، وهو حرية الشتم والاتهام، أما الجوانب الإيجابية الأخرى فقد نحيت جانباً في كل شيء، ولهذا عاشت البلاد في تراجع مستمر، وهو ما جعلها تبدو على هذه الحال من التخلف والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي.
كنا في مقالات سابقة تحدثنا عن نماذج صنع حضاراتها شخص واحد، وكيف أنها أصبحت، رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، تضاهي الدول الكبرى، وقد حجزت مكانها بين الأمم كنموذج في تطبيق القانون والنهضة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيما كانت طوال قرون متخلفة تعاني الفقر، لكن حين تيسر لها قائد حازم ومدرك ما هو الأصلح لشعبه وأمته أصبحت دولته قوية.
لهذا السبب قال بعض المفكرين العرب والمسلمين إن "العدل يفقد مضمونه مع العجز عن تطبيقه"، ولن تقوم دولة " إلا إذا أتاح الله لها رجلاً قوياً عادلاً يحكم بأهله على غير تفرد بالقوة والسلطان" الذي يحقق الازدهار لأمته، وقيل قديماً في الكويت نوخذة واحد خير من مليون بحار.