تعيش الكويت منذ نحو ثلاثة عقود أزمات متتالية، فما إن تنفجر واحدة منها وتصبح قضية رأي عام، إلا اتبعت بأخرى تنسي الناس الأولى، بينما تبقى الحلول معلقة على حبل التصعيد، لا سيما كلما كانت لها حاجة سياسية، انتخابية أو مداراة لمشكلة أكبر، وهذا يعني أن الدولة تعيش في حلقة مفرغة.
فمن تنويع مصدر الدخل إلى القضية الإسكانية، مروراً بالرواتب، والنهب الممنهج للمال العام في معظم الإدارات والهيئات والصناديق، وصولاً إلى "البدون" والهوية الوطنية ومزوري الجنسيات والشهادات، والمزدوجين، كل هذه المشكلات تنم عن خلل ما في مفاصل الإدارة والقرار التنفيذي، خصوصاً بعد أن ترك الأمر إما إلى مجالس الأمة، وإما لبعض الوزراء والوكلاء، وحتى مديري الإدارات، ولم يكن هناك قرار حاسم لحل هذه الأزمات، حتى بدت الكويت كأنها تعيش على فوهة براكين، وليس بركاناً واحداً.
اليوم ينشغل الكويتيون بالهوية الوطنية والمزورين والمزدوجين، وهناك أرقام تتداول عن 300 ألف أو أربعمئة ألف ملف جنسية، ما يعني أن ثلث الكويتيين عليهم شبهات، وهنا لا بد من السؤال: اذا كان هناك شخص زور جنسيته، أكان بإضافة اسمه إلى سجل عائلي لكويتي، أو عبر بيانات فيها شبهات، منذ أربعين أو ثلاثين سنة، وتوفي هذا الشخص، لكن لديه فروع، أبناء وأحفاد وأحفاد أحفاد، وبعضهم أصبحوا وزراء ونواب، وسفراء أو وكلاء وزارة، وأطباء ومهندسين، وضباط في الجيش والشرطة الحرس الوطني، فما ذنبهم أولا، وثانيا، هم يعيشون على أنهم كويتيون، وإذا سحبت جنسياتهم، فهم سيضافون إلى "البدون" ما يعني زيادة مشكلة عمرها نحو 60 سنة من دون حل، واذا طبق القانون على المزدوج، فهل سيقال له تخلى عن جنسيتك الأخرى أو تنازل عن جنسيك الكويتية؟
أما في قضية "البدون" المتفاقمة يوما بعد يوم، هناك كثير من الدول حلتها بسهولة، وإذا كنا لسنا في وارد تعدادها، لكنها واضحة للعيان، وكثيراً ما أشرنا إليها في مقالات سابقة، إلا أنه سيزيد عدد عديمي الجنسية، فإن هذا أمر يجانبه الصواب، بل هو خلق أزمة جديدة، لهذا فإن معالجة هذا الملف لا بد أن تتسم بالحكمة والروية، أما غير ذلك فإن الأمر لا يعدو إلا أن يكون زيادة أزمات، فهل الكويت بحاجة إلى المزيد منها؟
يبدو أنه ليس هناك أولويات، فهل المطلوب تنويع مصادر الدخل التي تنحصر في الإنفاق من دخل واحد وهو النفط، ونعيش على تذبذب أسعاره، أو إنعاش البلاد، وإقامة مشاريع تنموية، وفتحها على غرار الدول الخليجية الأخرى، خصوصا أن المؤشرات كافة تدل على أن الرواتب ستكون عالة كبرى على ميزانية الدولة، وهي اليوم تشكل عجزاً كبيراً، أو ستنظر الحكومة بأمر تحسين معيشة المواطن الذي منذ 16 عاماً لم تجر زيادة على راتبه، أو حل مشكلة الإسكان، أو التعليم، أو ماذا؟
كل يوم نستيقظ على أزمة مستجدة، وننام على أخرى، فيما الواضح غياب برنامج أولويات وطني ينقذ البلاد من هذا التخبط، فهل بهذه الطريقة تدار الدول؟
ففي الدول التي تتسم حكوماتها بالرشد والحكمة، هناك فريق ضخم من المستشارين المواطنين وغيرهم، الذين ليس لديهم أي مطامع شخصية، يضعون الخطط لكل شيء، وتنفذها الحكومات، ولا يترك الأمر لوزير أو نائب أو وكيل كما يجري في الكويت، فما إن نخرج من حفرة حتى نقع بأكبر منها.