يقولون ان الصراخ على قدر الألم، لكن ما نراه هو الصياح في مواجهة الإصلاح، اذ هناك من لسان حاله يقول للحكومة نريد الإصلاح، لكن "لا تقربون صوبنا".
فتح الحكومة الملفات بقصد إصلاحها يقابله رد فعل مضاد، واعتراض ممن يشملهم هذا الملف، وعندما نسمع أسباب هذا الاعتراض لا نجد الا حججا واهية بعيدة كل البعد عن أصل الموضوع.
والادهى والامر من ذلك هو دفاع السياسيين للمعارضين على إجراءات الإصلاح، التي تتخذها الحكومة، وهنا يكمن السؤال: هل نحن فعلاً نريد الإصلاح، أم نسعى إلى المصلحة باسم الإصلاح؟
يبدو أن هناك من تأقلم مع العيش مع الفساد، ولا أعني هنا الفساد المالي، لكن ما أعنيه هو الفساد الإداري، فالإصلاح يشكل هاجسا لهم، والالتزام أحد الأفعال الدخيلة على السلوك المعتاد، لذلك فإن الإصلاح يَثْقُل اتباعه.
يجب علينا أن نمعن النظر، ونعي الغايات قبل الخوض في أي مسألة، فالإصلاح ليس مزاجا نسير على اهوائه، بل هو مبدأ يسود الجميع، وتبقى عملية الإجراءات الإصلاحية في يد المكلف بها، وليس علينا سوى النصيحة، نعينه على الفعل الصائب، ونقومه عند الفعل الخاطئ.
من الواضح أن ذلك لن يحدث، لأن دخول فريق سياسي جديد في المشهد السياسي سيربك جميع الحسابات للفرق السياسية الموجودة، وبالتالي ستكون هذه الفرق أمام إما مواجهة سياسية، الهدف منها ازاحة هذا الفريق من المشهد، أو التودد لتحقيق المصالح، والمكاسب السياسية، وفي كلتا الحالتين الحيلة السياسية هي التي ستسود في العمل السياسي.
عندما تكون الأمور واضحة، ولا نريد أن نراها، ونحاول إقناع أنفسنا أن جميع الأمور على ما يرام، إلى أن يأتي أحدهم، ويضع كل تلك الأمور أمام عينيك مباشرة، وعن قرب، حينها تنكشف النوايا والاتجاهات، ويبدأ الضجيج غير المفهوم، ونصل حينها إلى مرحلة عدم الاتزان السياسي.
اصلح، لكن "لا تقرب صوبي"، بالله عليكم كيف يمكن لسياسي ان يدافع عن هكذا سلوك، ومع ذلك نجد من السياسيين المتصدرين المشهد من يدافع عنه، وبالتأكيد سيظهر بمظهر المصلح الحريص على الحريات وحقوق الأفراد.
لذلك، فنحن اليوم نسمع الكثير من الخطابات السياسية غير المفهومة، فهو خطاب والسلام، لأنه عبارة عن مجموعة من الشعارات، صيغت بشكل خطاب، فتجده لا يحتوي على معنى، ولا حجة.
ذلك يجعلنا نرى باستمرار التناقض في الخطاب السياسي، فما يقال اليوم لا يقال غداً، لأن السياسي يضع في حسبانه الرصيد الانتخابي، وبالتالي سيتغلب الخطاب الانتخابي على خطاب العقل والمنطق.
أخيراً فلنلقي نظرة على جميع الملفات التي فتحتها الحكومة، والتي اتخذت بشأنها إجراءات اصلاحية لمعالجتها، ولنر ماذا كانت ردة فعل من تشملهم تلك الملفات، لنتأكد هل فعلاً ان الصراخ على قدر الألم، أم أنه صياح في مواجهة الإصلاح.
محام، كاتب كويتي