السبت 27 يوليو 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 أحمد الجارالله
الافتتاحية

نعم... إنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ

Time
الثلاثاء 02 أبريل 2024
View
160
أحمد الجارالله

حين نشاهد ما جرى في الأعوام الماضية، وكيف استسهل البعض الرشوة، ونهب المال العام، وظلم الناس، على مرأى ومسمع من الجميع، فيما كان يعتقد أنه فوق القانون، ومن فرسان العمل العام، حينها نتذكر قصة النبي موسى (عليه السلام) مع الفارس والشيخ والغلام، وأن العقاب الإلهي لا بد أن يأتي يوماً.

القصة تبدأ حين خرج موسى (عليه السلام) يوماً لمناجاة ربه، وسأله: "يا رب كيف يأخذ الضعيف حقه من القوي؟".

قال الله سبحانه وتعالى له: "اذهب بعد العصر إلى مكان كذا، في يوم كذا، لترى وتعلم كيف يأخذ الضعيف حقه من القوي".

ذهب موسى (عليه السلام) إلى المكان الذي حدده الله تعالى، فرأى شلالاً من الماء يخرج من جبل، فجلس ينظر متأملاً، فإذا بفارس يأتي ممتطياً ناقة، يريد الماء، فترجّل، وخلع حزامه الذي كان يعيق حركته، ووضعه جانباً، وشرب، واغتسل، ثم انصرف ناسياً الحزام.

بعدها جاء غلام صغير ممتطياً حماراً إلى الشلال، فاغتسل وشرب أيضاً، وعندما همّ بالانصراف، وقعت عينه على الحزام، فأخذه وفتحه، وإذا هو ممتلئ بالذهب والأموال والمجوهرات، فأخذه وانصرف.

بعد ذهابه بقليل، أقبل على الماء شيخ عجوز ليشرب ويغتسل، وبينما هو كذلك، جاء إليه الفارس، يبحث عن حزامه فلم يجده، فسأل العجوز: "أين الحزام الذي تركته هنا"؟ أجاب العجوز: "لا أعلم، ولم أرَ هنا حزاماً"، فغضب وأشهر سيفه وقطع رأس العجوز.

كان موسى (عليه السلام) ينظر ويتأمل، ويفكر، فقال يا رب: "إن هذا الفارس ظلم عبدك الشيخ العجوز".

أجابه العلي القدير: "يا موسى، إن العجوز كان قد قتل أبا الفارس منذ زمن، أما الغلام فكان أبوه قد عمل عند والد القاتل عشرين سنة، ولم يعطه حقه، وبهذا أخذ الأخير حق أبيه من الشيخ العجوز، والغلام أخذ حق أبيه من الفارس".

هذه القصة تبين أن الله يُمهل ولا يهمل.. ولهذا، ثمة من يعتقد أنه فوق القانون والعقاب، وأن أحداً لن ينال منه، أكان بسبب منصبه، أو حصانته، أو قبيلته أو طائفته، أو لأي أمر آخر، فيعيث فساداً، أكان في المال العام، أو المؤسسات، أو غيرها مما هو مسؤول عنه، بل يبني عصابة حوله، معتقداً أنه بتعميم الفساد أصبح بمنأى عن المحاسبة، لكن كل هذا يصبح سراباً حين تأزف ساعة حسابه.

في الكويت، مرّت علينا الكثير من المفاسد خلال السنوات الماضية، إلى درجة أصبح معها الشريف الذي يؤدي عمله بأمانة يُنعت بـ"الأهبل"، بينما اللص يشار إليه أنه الذكي الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، ولهذا فإن المفاسد التي رأيناها في السنين الماضية، لا يمكن أن تُحتمل، وقد صدق المغفور له الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، حين قال عن إحدى مؤسسات الدولة: "الفساد فيها لا تحمله البعارين"، وهي مؤسسة واحدة، فكيف إذا شاع، بل أصبح سمة التصقت بالكويت عالمياً؟

اليوم تعج المحاكم بالدعاوى على فاسدين، وكذلك السجون، فيما لا نزال بعيدين عن تحقيق العدالة الكاملة بالاقتصاص من الذين أشاعوا الفساد في كل مرافق الدولة، لأنهم كالفيروسات المعدية، لكن صدق الله العظيم حين قال: "ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ"، لهذا فإن الذين لا يزالون يعتقدون أنهم فوق المحاسبة عليهم أن ينظروا إلى من سيق إلى السجن، والعقاب الذي عوقب به، وكيف أصبح نسياً منسياً، ونكرة.

آخر الأخبار