انتهت الانتخابات، وبانت مخرجاتها التي تكشّفت عن عودة نسبة لا بأس منها من المؤزمين المعلنين، الذين لا شك لديهم مطالبهم التي أعلنوها في حملاتهم، لكن رغم ذلك يبقى الرهان على سلوكهم في مجلس الأمة، وهل سيتخلون عن التأزيم ويذهبون إلى التعاون مع مجلس الوزراء العتيد، ويدركون أن الحماسة التي كانت في الحملات هي غيرها داخل قاعة عبدالله السالم، أم سيعملون على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟
هذا مرهون بالنواب أنفسهم، وكيف يوفقون بين وعودهم لناخبيهم، وأنهم "سيجيبون الذيب من ذيله"، أم يدركون أن وضع البلاد يحتاج إلى مقاربة مختلفة للأمور، وليس فرض الوعود حيال ما تعاهدوا، لأن الوضع المالي والاقتصادي للدولة لا يمكن أن يقبل به مجلس الوزراء، أيا كانت تركيبته وشكله، لأنهم محكومون بالقدرات التي لديهم.
كما عليهم معرفة أن نهج القيادة السياسية الحالية مختلف عن سابقاتها، وهي لديها من الحصافة والحزم ما يمكنها من السير إلى النهاية من أجل المحافظة على مصالح البلاد العليا، وبالتالي لن تقبل بأي قفزة في المجهول مهما كان الثمن.
في هذا، لا بد أن يدرك النواب أن هناك عوائق كثيرة تمنع تحقيق وعودهم، أهمها أن الجمود الاقتصادي الذي عانته الدولة في السنوات الماضية، بسبب قرارات وقوانين غير مدروسة، أثر على الناتج الوطني، الذي هو اليوم بحاجة إلى تعزيز، خصوصاً بعدما أثبتت التجارب، منذ 60 عاماً إلى اليوم، أن الاعتماد على النفط وعوائد الاستثمارات الخارجية لا يبني اقتصاداً يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الأزمات.
أكثر من ذلك، إن الالتزامات المالية الحالية للدولة أكبر من قدرتها على الذهاب إلى أي نوع من المغامرات التي تلبي الوعود الانتخابية، كما أن ما يواجهه الإقليم والعالم العربي يحتم على الجميع الذهاب إلى معالجات، ربما تكون مؤلمة أحياناً، لكن لا بد منها، ما يعني أن العلاقة بين السلطتين لا يمكن أن تستمر على نهج الصراع الذي كان سائداً في الماضي، إذ مهما كانت رؤى النواب لتعزيز أرصدتهم الانتخابية عبر مغازلة ناخبيهم، يجب أن تأخذ في الاعتبار حساسية الوضع الإقليمي والدولي التي تدفع إلى إعلاء مصلحة الكويت فوق كل اعتبار.
ووفق ما بات معروفاً من خلال قراءة خطابات صاحب السمو الأمير، لا سيما خطاب العشر الأواخر، يدل على أنه من الممكن تلبية القيادة المطالب المنطقية التي تخدم الشعب، وتعزز الوضع الاقتصادي والمالي، أما غيرها من الأحلام النيابية فلا مكان لها في رؤيتها، التي نشدد على أن نهجها مختلف كليا عن سابقاتها، وهو ما يجب أن يفهمه النواب، أيا كانت وجهات نظرهم أو أجنداتهم.
على هذا الأساس، يجب أن يكون النهج في المستقبل القريب جدا غير ما كان عليه في المجلس السابق، أو قبله، لأنه في المقابل إذا ضغط النواب لتحقيق وعودهم غير المنطقية، سيقال للمجلس الحالي "مع السلامة"، أكان ذلك ضمن الدستور، أو خارجه، لأنه من غير المنطق استمرار التجارب الفاشلة، والمعالجات المنقوصة، فيما المطلوب حالياً ردم الهوة الكبيرة بين السلطتين التي تسببت بها الرؤى والأجندات الشخصية والسياسية للبعض، أكانت في مجالس الأمة أو الوزراء المتعاقبين، وليس توسيعها وكأن الهدف المغامرة بمصير الدولة لفرض أحلام لا يمكن تحقيقها.