الخميس 12 يونيو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
أعقل المجانين لولي أمره هارون الرشيد: الحُكم هيبة وناموس
play icon
الأولى   /   الافتتاحية   /   أبرز الأخبار

أعقل المجانين لولي أمره هارون الرشيد: الحُكم هيبة وناموس

Time
السبت 13 أبريل 2024
View
480
أحمد الجارالله

تعود قصتنا إلى عهد هارون الرشيد، إذ في أحد الأيام أصابه القنوط، ولم يذق طعم النوم، فطلب أن يؤتى إليه ببهلول، الذي كان يلقب "أعقل المجانين"، كي يروح عن نفسه، لكن حين حضر الأخير لاحظ أن هارون ليس على ما يرام، فقال: "يا مولاي اعلم أن السلطان هو البعيد عن السلطان، فالسلطة كثيرة الأذى".

عندها تباسط الخليفة معه، إذ رغم ما كان يقال عن أبي وهب بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي، لكن كانت لديه رؤية، وكأنه يستشرف المستقبل، وهو يخلط الجد بالمزاح كي يبعد الهم عن الخليفة، فقال له: "يا سيدي لماذا لا تحكّمني شهراً بالخلافة"؟

رد هارون: "كيف تجرؤ على هذا، لكن لأنني أعرف نزاهتك، وغداً أنا ذاهب إلى الصيد، سأترك أمر الحكم لك ليوم واحد"، وهكذا أصبح بهلول هو الحاكم، فيما ذهب هارون الى الصيد، برفقة زوجته زبيدة وحاشيته.

وحين عاد عصراً إلى قصره، وجد عشرات الحمير أمام بوابته، فأمر بإحضار بهلول، وسأله عن ذلك، فقال الأخير: "لقد وضعت غرامة على كل من يثبت انه يخاف زوجته، ولهذا في غضون ساعات جمعت هذا العدد الكبير منها"، فقال هارون: "ما هذا العبث، أعدها الى أصحابها".

أجاب أبو وهب: "دعك من ذلك يا مولاي، فإن لدي أمرا مهما يخصك، إذ أثناء تجوالي في المدينة رأيت فتاة جميلة، رقيقة، مرهفة الإحساس، ووددت أن أخطبها لك يا سيدي"، فأجابه هارون: "اخفض صوتك يا مجنون، الآن تسمعك زبيدة"، فقال: "إذن عليك دفع الغرامة مضاعفة، وهي حماران، لأنك الخليفة".

عند هذا الحد، تجرأ "أعقل المجانين" فسأل الخليفة: "لماذا سقطت الدولة الأموية، رغم أنها في غضون 93 عاما توسعت وأصبحت امبراطورية"؟ فأراد هارون ان يسمع الاجابة من المجنون، فقال: "لماذا برأيك"؟

قال أبو وهب: "سأستعير كلام أحد أمراء بني أمية، اذ حين سئل عن سبب زوال دولتهم، قال: أمورٌ كبيرة أوليناها للصغار، وأمور صغيرة أوليناها للكبار، وأبعدنا الصديق ثقةً بصداقته، وقرّبنا العدو اتقاءً لعداوته، فلم يتحوّل العدو صديقاً وتحوّل الصديق عدواً".

فقال الرشيد: "زدني علما"، أضاف بهلول: "إن أول حكام الدولة العباسية كان أبو العباس عبد الله بن محمد، وهو من أصول فارسية، وهذا عمل على تثبيت حكم دولته، ولقب بالسفاح لأنه قتل كل من يمت للأمويين بصلة، في المقابل فإن آخر الخلفاء الأمويين، وهو مروان بن محمد الملقب بالحمار، إذ رغم انه كان شجاعاً، لكنه لم يستطع أن يحكم معارضيه من بني أمية، ولهذا كثر الخروج عليه، غير أن التهديد الأكبر جاءه من حيث لا يدري، من ولاية خراسان لأنها كانت تريد الانفصال عن الأمويين، ورأى أبوالعباس ضعفهم وتفرقهم، لذا حدثت بين الطرفين وقائع كثيرة حتى سار مروان إليهم بجيشٍ كبير، والتقى الطرفان في معركة الزاب عام 132 هجرية، فانكسر مروان ورجع إلى الشام، فتبعه العباسيون، ففر إلى مصر، فتبعوه وقتلوه بقرية بوصير في ذي الحجة من السنة نفسها، وبموته سقطت الخلافة الأموية، لأن الخليفة لم يعمل على جمع أهل بيته واستقرار دولته".

أضاف: "إذ بدلا من الانفاق على شعبه، عمل على إرضاء الأمويين بالمال، لكنه لم يُشبع نهمهم، فيما كانت الدولة تعاني من القلاقل، وكل واحد من كبارها يعمل على تأليب مناصريه ضد الآخر".

وقال بهلول: "نستفيد من ذلك ان اختيار المساعدين له الكثير من الحسنات والسيئات ، وفي هذا الشأن ثمة عبرة لا بد من الأخذ بها يا مولاي"، وبينما كان هارون يصغي بإمعان، أضاف: "في يوم ما شاخ أحد الأسود في الغابة، ولم يعد يقوى على الصيد، وذهبت هيبته، وكان ابن اوى بمثابة مستشاره، فقال له: سمعت أن أكل قلب واذني الحمار يردان القوة إلى الأسود، لهذا سأذهب كي اتي لك بأحدها لتأكله فتعود قوتك".

المعروف عن بنات اوى، أنها مراوغة وغادرة، لذا جاء بعد وقت قصير بحمار، الذي ما ان شاهده الغضنفر الجائع حتى زأر بصوت مرعب، فما كان منه إلا الهرب، فقال ابن اوى: "سامحك الله يا مولاي، لماذا فعلت ذلك؟ سأعيد الكرة، لكن عليك أن تتعاطى معه بهدوء".

عاد ابن اوى الى الحمار مرة أخرى وقال له: "لماذا هربت من حضرة مولاي الأسد، الذي يريد جعلك مستشاره، وكان زئيره للترحيب بك، هيا عد إليه"، وحين عاد الحمار، كانت الخطة أن يتركهما الأسد بمفردهما بعض الوقت كي يطمئن الأول أكثر، ولهذا حين ذهب، عاجل ابن اوى الحمار وأكل اذنيه وقلبه، وعندما عاد الأسد، ورأى ما فعل الحيوان المخادع، ترك الغابة، كي لا يقال إن ابن اوى احتال على ملكها.

في الحياة الكثير من العبر، أكانت على لسان أشخاص، عقلاء او مجانين، او حيوانات، وهناك حكام ومسؤولون اعتبروا منها، وعملوا فيما يصلح لدولتهم، لهذا فإن هارون الرشيد أخذ بالعبر التي ساقها اليه بهلول، كي يحافظ على دولته، وقال له: "عليك ألا تبتعد عن مجلسي يا بهلول، فأنت أحكم الحكماء، ولست مجنونا"، فقال بهلول: "يا سيدي قبل أن أذهب لا بد من الخلاصة، وهي أن الحكم هيبة وناموس، اعلنهما ومارسهما، كي يتوه خصومك، ويعرفون أن الله حق".

آخر الأخبار