كل كلمة والثانية "أتحدى"، مفردة غير مفهومة الدلالات، من كثرة تكرارها، وقد أصبحت شائعة في الخطاب البرلماني، ولا أدري من "ابتدعها"، ووضع بذورها في العمل البرلماني، فكثر استخدامها حتى اصبحنا لا نعرف من يتحدى من، وماذا يراد من التحدي، وما الهدف منه؟
وهي دارجة بين نائب ونائب، وبين نائب ووزير، إلا أن أكثر من يهابها ويحسب حسابها الجالسون في الصف الأمامي.
قال الحكماء قديما "السياسة فن الممكن"، والممكن لا يكون إلا بالحوار البناء، الذي يبني ولا يهدم، والعلاقات السياسية بين مختلف الأطراف سقفها المصلحة العامة، وهدفها الاستقرار والعمل الجماعي، أما "التحدي" فيحول الاختلاف بالرأي، وهو ظاهرة صحية، خلافا، واستمرار التحدي يحول الخلاف خصومة، وغياب الحكمة يحول الخصومة نزاعا، والنزاع لا تحمد عقباه.
وعندما يشيع التحدي بين أبناء الوطن الواحد فإن الخاسر الأكبر الوطن والمواطن.
إن هدف الديمقراطية هو تبادل الأفكار وتلاقحها، فتنتج الحلول ويسهل تنفيذها، وتجربة الديمقراطيات المتقدمة لم تتطور بالتحدي والخلاف والنزاع، إنما باحترام الرأي والرأي الآخر، وبحرص عقلاني ورشيد، للوصول الى حلول وسط توحد الجميع.
وإذا فقدت الديمقراطية هذا الهدف الأساسي، وهذا ما تؤدي إليه مفردة "أتحدى" الشائعة في خطابنا السياسي والبرلماني، فإن التعثر مصيرها، فهل سندفع مسيرتنا الديمقراطية إلى التعثر بأيدينا ثم نبحث عن "شماعة" نعلق عليها أخطاءنا؟
إن نقد الذات خطوة أولى أساسية لمن يرفع شعار الإصلاح بشتى جوانبه، وهذا لا يكون بالتحدي، بل بالحرص على التوافق عبر الحوار الديمقراطي البناء، ولا ينبغي أن يفسد الاختلاف بالرأي للود قضية.
أما حان الوقت لنعي ذلك، ألا يرى الجميع أوضاعنا الراكدة منذ سنين، ألا نرى أن كل انتخابات أصبحت تلد أخرى حتى سئم الناس من ذلك؟
بصراحة، المخلص لوطنه والمحب للجميع، إن المشهد السياسي الحالي يلفه الغموض والإرتباك، وهو أسوأ ما يكون لانطلاقة تنموية نتطلع إليها جميعا، لكننا لا نحسن فعلها.
ولينظر كل مسؤول، قبل أن يتحدى، إلى مؤشراتنا التنموية، وترتيبنا في المؤشرات الدولية ليعرف أننا بحاجة ماسة لمثل هذه الإنطلاقة، وقد فاتتنا من الفرص الكثير، وأهدرنا من مواردنا ما هو أكثر، أفلا نتعظ ونتقِ الله بالكويت؟