الأربعاء 16 يوليو 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 أحمد الجارالله
الافتتاحية

في المجتمعات الفاشلة ألف أحمق مقابل عاقل واحد

Time
الأحد 14 أبريل 2024
View
360
أحمد الجارالله

أممٌ كثيرة مرت بمِحن، بعضها استطاع الخروج منها بأقل الأضرار، لأنه حوّل الأزمات فرصاً لإبداع أفكار تساعد على نهوضه، فيما غيره غرق في المماحكات والصراعات على من يتحمل مسؤولية الأزمة، أي أزمة أو مشكلة.

وعن هذا النوع الأخير ثمة خلاصة قالها الكاتب الروسي انطوان تيشخوف، حين سُئل كيف تكون المجتمعات فاشلة، قال: "عندما يكون ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل، فإذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات، على الكلام الواعي، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جداً".

الكثير من الدول تخلفت لأنها لم تقدم لغة العقل على غيرها من الترهات التي تشغل نخبة القوم، ولم تدرك أن التعليم مهمته الوعي الجمعي، وليس الحفظ فقط، ونيل الدرجات والشهادات، حتى لو كانت مزورة.

ففي حين وضعت سنغافورة التعليم أولوية، حين تسلم لي كوان يو رئاسة الوزراء، لأنه وجد بلداً جاهلاً، تعمه الفوضى والفقر، لذلك عمل على التعليم الجيد أولاً، وفي غضون سنوات أصبحت تلك الجزيرة من الدول المتقدمة، ولديها أعلى نسبة متعلمين ومبدعين بالأفكار، وأصبح دخل الفرد فيها عام 2022 نحو 60 ألف دولار أميركي.

هذا المثال يدل على كيف تجعل القيادة المجتمعات حيوية ومنتجة، كذلك في مثال آخر، ففي القرن السادس عشر، حين تولت إليزابيث الأولى سدة الحكم في إنكلترا، وكانت المملكة المتحدة تعاني من القلاقل، وأزمة اقتصادية، فاختارت العمل من أجل بلادها، ونذرت نفسها لهذا، الى حد أنها حين سئلت عن الزواج، قالت عبارتها المشهورة: "أنا متزوجة من بريطانيا"، ولقبت حينها بالملكة العذراء، وقد حكمت نحو أربعين عاما، تطورت خلالها إنكلترا على كل المستويات، وكان الأساس التعليم، ومنح الحرية للناس ليكشفوا إبداعاتهم في كل المجالات.

بعد قرون من ذلك سقطت المملكة المتحدة بأزمة كبيرة، وجراء الفوضى التي سادت عمت التظاهرات عموم البلاد، وأظهر الانقسام الاجتماعي فيها، إلى أن اُنتخبت مارغريت تاتشر رئيسة للوزراء، اذ عملت مع الجميع من أجل بريطانيا، وفي مرة قال أحد السياسيين الإنكليز: "يمكن أن تناقش الملكة بأي أفكار، لكنك لن تجرؤ على مناقشة تاتشر"، لأنه كانت بحق "المرأة الحديدية"، في ما يتعلق بمصلحة بلادها، ودفاعها المستميت عنها.

ثمة الكثير من التجارب التي يستفاد منها في هذا الشأن، أكانت في آسيا، كالصين التي استعان رئيسها دنغ شياوبنغ، بخبير بريطاني، من أصل عراقي، كي يصنع النهضة التي قامت فيها، واليوم أصبحت من أقوى الاقتصادات في العالم، أو في أوروبا وأميركا.

لا شك أن القيادة في أي دولة هي الأصل، لا سيما إذا اختارات المساعدين الأكفاء الذين يكونون عوناً للحاكم، وليس فرعوناً على الناس، ويخلصون لبلادهم، وحكامهم، وليس لمصالحهم الخاصة، أما إذا كانوا كما قال تيشخوف "ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل".

للأسف، إن غالبية الدول العربية أنتجت مجتمعات فاشلة، لأنها قدمت البلهاء، وحاربت العقلاء، وأصحاب الأفكار المبدعة، لهذا أينما وجهت نظرك ترى الفوضى والخروج على القانون، والتزوير في كل شيء، لهذا صدق المتنبي حين قال: "يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأمم".

[email protected]

آخر الأخبار