تمخض الجبل فولد فأراً، هذا ما يمكن أن يقال عن الرد الإيراني على قصف إسرائيل قنصلية طهران في دمشق، بعد نحو 45 عاماً من التهديدات بـ"محو إسرائيل من الوجود"، والتباهي بالقدرات العسكرية الإيرانية.
لا شك أن قدرات الحرس الثوري محدودة جداً، وهو مجرد بوق لا أكثر، وجعجعة من دون طحين، فحين قتلت الولايات المتحدة الأميركية قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، بصاروخ من طائرة مسيرة، أزبدت وأرعدت طهران أنها لن تسكت، لكن بنهاية المطاف، بلعت الضربة، وفي ردها على قصف القنصلية، ومقتل سبعة من قادة الحرس الثوري، ردت بثلاثمئة طائرة مسيرة وصاروخ، في النهاية سبعة صواريخ سقطت على قاعدتين إسرائيليتين، ولم تسفر سوى عن أضرار مادية طفيفة، لم تقتل إلا طفلة فلسطينية، وقطة، لذا نسأل: أين هو النصر الالهي الذي صدع نظام طهران العالم به؟
كان من الممكن للنظام الإيراني أن يوفر المليارات التي أنفقها على بناء قدرات عسكرية كاريكاتيرية، أراد منها التغطية على الفساد الضارب أطنابه في كل مؤسساته، وينفق تلك الأموال على رفاهية شعبه، الذي يرزح نحو 75 في المئة منه تحت خط الفقر، بينما يعيش القادة والمسؤولون في نعيم جنات بنوها من قوت الناس، بحجة "خدمة المشروع المقدس للثورة" التي لم تكن سوى انقلاب على نظام الشاه، لاستبداله بآخر معمم، بل بشاهات كثيرة.
حين اعتمد النظام الحالي في دستوره "تصدير الثورة"، ورفع الشعارات البراقة، خصوصا في ما يتعلق بجيرانه، بدأ باستعداء كل شعوب المنطقة، وعندما بدأ تدخله في الشؤون اللبنانية الداخلية، عام 1982، من خلال ما سمي "حزب الله"، كان يصب الزيت على نار العداء له عربياً، ومن المحيط الى الخليج، وعندما بدأت خلايا الحرس الثوري، والاستخبارات، تنفيذ عملياتها الإرهابية في العالم جرت أمم الأرض كلها إلى استعداء شعبها، ولهذا أصبحت إيران دولة مارقة، لا يمكن أن يؤمن شرها.
لقد كانت هناك إمكانية لتلافي كل الخسائر التي تكبدتها في العقود الماضية، إذا التزمت الاتفاقيات الدولية في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، واذا لم تعمل على مساعدة الحوثيين في اليمن ضد الممكلة العربية السعودية، ودول الخليج، وكذلك اذا لم تثر الفتنة الطائفية في البحرين، ولم تتبن عصابات مذهبية في العراق، أو لم تتدخل في سورية.
لكنها اختارت الطريق الوعر، وهو تحدي العالم بأسره، وهذا لا يمكن أن يؤدي الى نتيجة غير المجاعة والفقر، ومحاربة هكذا نظام يتصور أصحاب القرار فيه أن لديهم القدرة على فرض وجهة نظرهم على شعوب الأرض.
فيما في الحقيقة هم يخنقون شعبهم الذي ثار أكثر من مرة عليهم، لكنه قمع بأشد أنواع القمع، لهذا فهم يعملون على تصدير مشكلاتهم الى الخارج من خلال إشعال الفتن في الإقليم.
في العملية الأخيرة، لم تكن إسرائيل بمفردها، وهو ما ثبت من خلال الرد عمليا على إسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ قبل دخولها المجال الجوي الإسرائيلي، لكن لا بد من تبيان الحقيقة، وهي بدلا من ان تؤدي هذه الضربة - المسرحية - المتفق عليها مع الولايات المتحدة وإسرائيل الى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة زادت من معاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كما أنها أطالت عمر حكومة بنيامين نتانياهو التي كانت على شفير الهاوية، أي ان هذه العملية كشفت كيف تخدم طهران على مساعدة إسرائيل، وليس لمحوها.