العميد رئيس التحرير أحمد الجارالله
رفضت طعن النيابة العامة على الحكم في قضاء ينتصر للدستور ويرسِّخ حرية الرأي
- دفاع "العميد": الوقائع المُسندة نقد مباح في مسلك موظف عام يعمل في جهاز أمن الدولة
- إجراءات ضابط الواقعة محفوفة بالشكوك والظنون واصطناع الدليل لغاية في نفسه
- ضابط الواقعة لم يقم بتحرير محضره إلا بعد مرور سنة ما يعد تراخياً في الإبلاغ
- التغريدات تخاطب مسؤولي الدولة وتتعلق بشأن داخلي وليست موجهة إلى أي شخص بالخارج
- صحيفة الاتهام تناقضت طياتها بين القيد والوصف وبما لا يوافق صحيح القانون أو الواقع
- التغريدات نُشرت في 2021 والمحضر حُرّر بعد 11 شهراً ما يحمل الكثير من دلائل سوء النية
- الشاهد ألحق تغريدة حديثة بمحضره دون مبرر رغم أنها لا تحوي عبارات تشكل جرماً
- التغريدة المضافة تضمنت شكراً لوزير الداخلية لإلغاء القيود الأمنية التي تداولتها الصحف
في حكم جديد يضاف إلى سلسلة أحكام القضاء الكويتي الشامخ، التي تسطر بحروف من نور، وتنتصر للدستور والقانون وترسخ حرية الرأي في البلاد، وتعزّز النقد البناء عبر المنابر الصحافية بمنصاتها المختلفة إلكترونياً وورقياً، قضت محكمة الاستئناف خلال جلستها أمس، برئاسة المستشار نصر ال هيد برفض استئناف النيابة العامة على الحكم الصادر، ببراءة العميد رئيس التحرير أحمد الجار الله، من تهمة "إذاعة إشاعات كاذبة ومُغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد عبر منصة "إكس".
وكانت النيابة قد أسندت إلى العميد الجار الله أنه "بدائرة جهاز أمن الدولة في الفترة من 26 ديسمبر 2021 حتى 5 نوفمبر 2022 أذاع عمداً إشاعات كاذبة ومغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وذلك بنشره التغريدات محل الواقعة المبین مضمونها بالأوراق عبر حسابه الموسوم ahmadaljaralah@ ببرنامج التواصل الاجتماعي "اكس" المتاح للكافة الاطلاع عليه داخل وخارج دولة الكويت، وكان من شأنه إضعاف هيبة دولة الكويت واعتبارها والإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وأضافت النيابة: إنه أساء عمداً استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية باقترافه للجريمة محل وصف التهمة السابقة، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، لافتة الى "ان المتهم ارتكب الجناية والجنحة المنصوص عليها بالمادة (15) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960 والمادة (70) من القانون رقم (37) لسنة 2014 بإنشاء هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات".
وفيما طالبت النيابة في تقرير اتهامها امام محكمة الجنایات بمعاقبة المتهم طبقا للمادتين سالفتي الذكر، دفع المحامي ناهس العنزي ببطلان اتهام العميد الجار الله وقدم مذكرة دفاع طالبا في ختامها بالبراءة.
دفع المحامي العنزي ببطلان صحيفة الاتهام من أوجه عدة يأتي في مقدمها: انتفاء القصد الجنائي، مرورا بعدم توافر الركن المادي للجريمة، والتراخي في الابلاغ عن الواقعة، وانتهاء بتناقض صحيفة الاتهام بين القيد والوصف، فضلاً عمّا افترضه الشاهد وسلطة الاتهام - خطأً - من أن المتهم ارتكب الوقائع المزعومة خارج البلاد.
الركن المادي
وأوضح أن المادة (1) من قانون الجزاء نصت على أنه "لا يعد الفعل جريمة ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله إلا بناء على نص في القانون"، مؤكدا أن "المشرع وحده هو الذي يحدد الجريمة والعقوبة المقررة لها ويقوم بتحديد كل ما يتعلق بالجريمة من أركان وعناصر وشروط وظروف، ويضع كل ذلك في النص الخاص بتلك الجريمة، ومن هنا كانت فكرة "النموذج القانوني للجريمة".
وأوضح أن البين من النص سالف الذكر أن القول الفصل في الجناية الماثلة هو التعرف على مدى توافر الجرم الموجب للمسؤولية الجزائية في حق المتهم بشأن الوقائع المقدمة على بساط البحث، أو نفى ذلك الجرم عنه، ورائد الهيئة الموقرة وصولاً إلى هذه النتيجة يحكمه الدستور القانون.
انتفاء القصد الجنائي
ولفت إلى ان الثابت مما جاء بطيات التغريدات والمقالات الصحافية المنسوبة للمتهم أنها رددت ما جاء بوقائع ثابتة بأوراق القضية رقم (1854/ 2021) جنايات، وليس اشاعات كاذبة أو اخبارا مختلفة، وانها تضمنت بعض الوقائع وليس وقائع القضية كلها، ومن ثم يتبين انتفاء القصد الجنائي عن تلك التغريدات محل الاتهام والمنشورة من خلال موقع "تويتر" أو عبر الصحيفة الالكترونية العائدة للمتهم، بحسبان أن النقل للخبر كان جزئياً وليس كاملاً، وهو ما يثبت عدم تحقق الإساءة بحق المتهم عن نقل هذا الخبر.
بطلان صحيفة الاتهام
وبيَّن أن "الشاهد" وقد سايرته في ذلك سلطة الاتهام قد افترض كل منهما بالخطأ أن المتهم ارتكب تلك الوقائع المزعومة خارج البلاد وتأسيساً على ذلك تم تجريمه وفقاً لنص المادة (15) جزاء سالفة الذكر على الرغم أنه لا يوجد بالأوراق ما يثبت ذلك على الاطلاق.
وذكر أن "السياسة" تم تأسيسها بدولة الكويت وأيضاً حساب "تويتر" الخاص بالمتهم قد أنشأه بدولة الكويت وليس بالخارج، ولا يوجد بالجريدة أو حساب (تويتر) ثمة خيار أو ميزة الكترونية تجعله موجهاً إلى خارج البلاد، ولم يرد بالأوراق ثمة دليل واحد يجزم بأن المتهم أدلى بهذه المقالات أو التغريدات خارج البلاد، أو حتى قاصداً توجيهها إلى خارج البلاد.
شأن داخلي
وقال محامي الدفاع في مذكرته: ان عبارات التغريدات جميعها تخاطب مسؤولي الدولة المعنيين وتتعلق بشأن داخلي ولم يرد بها ثمة كلمة أو عبارة تشير إلى أنها موجهة إلى أي شخص خارج الكويت، وأخيراً لم يقم المتهم بالإدلاء بهذه التغريدات لأي قناة تلفزيونية أو إذاعة خارج البلاد".
لا متابعون من الخارج
وشدد العنزي على أن الأوراق خلت من بيان وجود ثمة متابعين لحساب المتهم أو جريدته من الخارج، والثابت أيضاً بصور التغريدات عدم وجود أحد قام بالتعقيب عليها من الخارج او حتى اطلع على صفحة المتهم بتويتر، وأيضاً خلت الأوراق مما إذا كان لدى المتهم قراء خارج البلاد أصلاً أم لا حتى يمكن تصور توافر العنصر الأساسي لوقوع الجرم، فضلاً عن أن الشاهد وقد تراخى في تحرير محضر الواقعة على نحو أحد عشر شهراً كانت كفيلة بذكره أي أثر ترتب عليها سواء بالإيجاب أو السلب خارج البلاد وهو ما لم يرد بالأوراق.
نقد مباح
وأكد المحامي أن الوقائع الموصوفة بأوراق الجناية الماثلة ما هي إلا نقد مباح في مسلك موظف عام يعمل بجهاز أمن الدولة بشأن واقعة تتعلق بأعمال وظيفته بشأن القضية رقم
(1854 /2021 جنايات) التي تناولتها التغريدات، وهذا الوصف ينطبق عليه المادة (214) جزاء وليس المادة (15) سالفة الذكر.
وأضاف: بالنظر إلى فعل الاسناد الوارد بصحيفة الاتهام يتبين شمولية العبارات الواردة بها من دون تحديد للوصف المؤثم للجريمة المسندة للمتهم، إذ إنها أحالتها إلى ما ورد بالألفاظ والعبارات الواردة بالتحقيقات، وكان يتعين تحديدها تحديداً قاطعاً.
وأوضح أن صحيفة الاتهام قد تناقضت طياتها فيما بين القيد والوصف، حيث ورد بالصحيفة ببند الوصف أن الواقعة حدثت في دائرة جهاز أمن الدولة بدولة الكويت، وجاء بالقيد أن الواقعة حدثت خارج البلاد، وللعلم فإنه لا هذا ولا ذاك يوافق صحيح القانون أو الواقع.
التراخي في الإبلاغ
وذكر المحامي أنه "بالاطلاع على صحيفة الاتهام يتبين أن النيابة العامة اسندت إلى المتهم الجرائم الواردة بالقيد والوصف تأسيساً على العبارات الواردة بالتغريدات على حساب "تويتر" فقط، دون المقالات الواردة بـ"السياسة" التي وردت بالمحضر المقدم من شاهد الواقعة، وعليه فإن دائرة الاتهام قد انحصرت في تلك التغريدات فقط".
وأشار إلى أن الاطلاع على تواريخ تلك التغريدات نجد أنها تحمل الكثير من دلائل سوء النية، حيث إن تواريخها جميعاً كانت في عام 2021 وشهر يناير 2022، ولم يقم الضابط بتحرير محضره بالواقعة إلا في 23 نوفمبر 2022 أي بعد مرور نحو سنة، وعندما تنبه لذلك أتى بأي تغريدة حديثة وألحقها بالوقائع، حيث أرفق بمحضره التغريدة المؤرخة في 5 نوفمبر 2022 واعتبرها خط النهاية للجريمة التي اعتبرها مستمرة منذ عام 2021 حتى نهاية عام 2022 على الرغم أن تلك التغريدة الحديثة التي ألحقها بمحضره دون مبرر لا تحوي ثمة عبارات تشكل جرماً ما بل كانت تتضمن شكرا موجها إلى وزير الدفاع وزير الداخلية بشأن الغاء التحفظات أو القيود الأمنية وهو الأمر الذي صدر بالفعل من وزير الداخلية وتم نشره بموقع الوزارة وتداولته جميع الصحف الكويتية.
وبين المحامي أنه بحذف التغريدة المشار إليها المؤرخة في 5 نوفمبر 2022 من الاتهام الموجه للمتهم تكون جميع التغريدات محل الاتهام تواريخها في عام (2021) ويناير (2022)، وعلى الرغم من ذلك لم يقم ضابط الواقعة بتحرير محضره إلا في 23 نوفمبر 2022 أي بعد مرور نحو سنة وهو ما يعد تراخياً في الإبلاغ.
وأشار إلى أن "حافظة المستندات المقدمة تضمنت صورة من موقع وزارة الداخلية وصحيفة الراي وغيرها من الصحف منشور بها الخبر نفسه الذي دونه المتهم بتغريدته المؤرخة في 5 نوفمبر بشأن الغاء التحفظات أو القيود الأمنية".
وخلص الى أنه لا يوجد مبرر منطقي لتراخي شاهد الواقعة كل هذه الفترات التي بدأت في 26 ديسمبر 2021 ـ على حد وصفه، متسائلا: كيف للنيابة العامة أن تذكر في صحيفة الاتهام أن الجريمة وقعت خلال الفترة من 26 ديسمبر 2021 حتى 5 نوفمبر 2022 بما تحمله هذه الفترات من امتداد لا يقبله منطق ويخالف الثابت بالأوراق؟!
وشدد على أن هذا التراخي في الإبلاغ إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وجود فعل مؤثم في حق المتهم، وأن ما قام به ضابط الواقعة من إجراءات محفوف بالشكوك والظنون واصطناع الدليل إن وجد، وصدرت لغاية قابعة في نفسه.
المادة 15 سند الاتهام
تنص المادة (15) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960 المعروف باسم " قانون جرائم أمن الدولة) على أن "يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي او مستوطن في الكويت اذاع عمدا في الخارج اخبارا او بيانات او شاعات كاذبة او مغرضة حول الاوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او هيبتها واعتبارها او باشر بأية طريقة كانت نشاطا من شأنه الاضرار بالمصالح القومية للبلاد.
أهم الدفوع
- بطلان صحيفة الاتهام من أوجه عدة
- عدم توافر الركن المادي للجريمة
- التراخي في الابلاغ عن الواقعة
- تناقض صحيفة الاتهام بين القيد والوصف
- فرضية ارتكاب الوقائع المزعومة خارج البلاد