ثمة سؤال يطرح: لماذا التنمية عصية عن التحقق في الكويت، فهل المال هو العائق أو الادارة والقرار؟
المال متوافر، لكن لدينا سوء في إدارته، لأن القاعدة الراسخة، طالما هناك نفط، فلا حاجة للعمل، ولسنا بحاجة الى المشاريع، وهذه القناعة فاسدة، لأنها تعني اذا استمرت الحال على ما هي عليه ستزول الرفاهية الكاذبة التي نعيش فيها، لكن اذا كانت هناك قناعة أن النهضة التي شهدتها البلاد في بداية ظهور النفط لا بد أن تستمر، فإننا سننعم أكثر برفاهية حقيقية، قوامها الإنتاج والعمل، وخلق المبادرات الفردية وتعظيم الناتج الوطني الذي هو اليوم أشبه بدولة فقيرة.
لهذا نسأل: لماذا لا تعمل الحكومة على سحب نحو 200 أو 300 مليار دولار من صندوق الأجيال، والاستثمارات الخارجية، وتوظفها في مشاريع إنمائية حقيقية داخل البلاد، أكان في تنمية الجزر الكويتية، وبناء مشاريع فيها، ترفيهية وسياحية، أو إقامة المشاريع المخطط لها في المنطقة الشمالية الاقتصادية التي طال انتظارها، وكذلك االعمل على استكمال ميناء مبارك الكبير، الذي إذا تحقق سيكون محطة وصل بين شرق آسيا وأوروبا؟
أيضا لماذا لا تعمل الحكومة على تطوير البنية التحتية لتكون بمصاف الدول الحديثة الأخرى وتستفيد منها استثمارياً، فتعزز بذلك المال الحركة الاقتصادية في البلاد، لتخرج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ نحو خمسة عقود، عندما انشغلت السلطتان بالمماحكات والصفقات الشخصية، وضاعت الكويت في ذلك الصراع العبثي المستمر الى اليوم؟
من المعروف في كل العالم أن لكل سلطة مهماتها، وفقاً لصلاحياتها، فلا تتعدى واحدة على الأخرى في هذا المجال، السلطة التشريعية تشرع وتراقب أعمال مجلس الوزراء، إلا عندنا، حيث يظهر مجلس الأمة هو الحاكم بأمره، فيما السلطة التنفيذية ليست أكثر من منفذ لما يأمر به.
ولأن النائب، أياً كانت قناعاته، فهو يعمل في النهاية من أجل مصلحته الانتخابية أولاً، لأن ثمة قناعة فاسدة ترسخت أن انتخابه يقوم على الخدمات الشخصية التي يقدمها لناخبي دائرته والعزوة القبلية والطائفية، لذلك أصبح الهم الأول للنواب الاستفادة من سلطتهم لتعزيز رصيدهم الانتخابي، وأيضا المزيد من مراكمة ثرواتهم الشخصية.
كذلك حين يكون هناك وزراء، بمن فيهم رئيسهم، يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد والعباد، ويخافون على كراسيهم، فيصبح همهم الأول الحفاظ على ذلك مهما كلفهم الثمن الذي يدفعونه من المناصب والتعيينات والوظائف، والمال العام، عندها سيعملون على الرضوخ للنائب، فيكون السؤال بثمن، والاستجواب أيضا، وتصبح الممارسة قائمة على مبدأ فاسد هو "شيلني واشيلك".
أما حين تكون هناك إرادة وقرار فإن الكويت بموقعها الجغرافي يمكنها أن تتحول دولة فاعلة اقتصادياً، وتجارياً في الإقليم، هنا لا بد من الإشارة إلى أن المنطقة الاقتصادية الشمالية لن تخدم بلادنا فقط، بل أيضا تخدم سكان جنوب العراق الذين أصبحت نسبتهم نحو 30 في المئة من مجموع العراقيين البالغ عددهم 41 مليونا، ومع تزايد السكان الطبيعي، فإن هناك حاجة ملحة للمزيد من الصناعات على اختلاف أنواعها لخدمة هذا العدد، الذي من المتوقع أن يزيد خلال العشرين سنة المقبلة، وكذلك المنطقة الايرانية القريبة من الكويت التي يقطنها نحو 15 مليون إيراني.
أيضا إن تنمية الجزر، عبر رؤية متناسبة مع التطورات التي تشهدها الدول المجاورة، سيحد أولاً من إنفاق الكويتيين على السياحة الخارجية البالغة نحو 3.53 مليار دينار العام الماضي، وسيكون انفاقها في بلدهم، على غرار ما فعلته المملكة العربية السعودية، والإمارات، التي انخفض إنفاق سكانها في الخارج على بضعة ملايين من الدولارات.
هذا يتطلب حكومة عازمة على تنفيذ قرارها، فلا تستمع الى المتشددين والدولة العميقة، وأصحاب النفوس الضعيفة ممن كانوا يعملون كوكيل محلي للشركات الكبرى واحتكروا المشاريع، غير أن إلغاء هذا القانون منح الدولة الاستعانة بشركات دولية لتنفيذها من المبالغة بقيمتها التي كانت تصل الى الضعفين.
اليوم، وفي ظل التطورات التي يشهدها العالم، والأزمات الدولية، والاتفاقات التي تعقد في المنطقة، وآخرها مشروع "طريق التنمية" الذي تم توقيعه بين العراق وتركيا والإمارات وقطر، وبدلاً من استياء النواب المنتخبين من استبعاد الكويت منه، ها هي الفرصة سانحة للسلطتين لتنفيذ الاتفاقات المعقودة مع الصين من أجل البدء في وضع طريق الحرير، ومدينتها موضع التنفيذ، وعدم "التحلطم".