بعض أعضاء مجلس الأمة يخلط العام بالخاص، ويقحم المواقف الشخصية بالقضايا العامة، فتختلط الأوراق، وتتحول المواقف اتهامات، وردود وسجال لا ناقة للمواطن فيه ولا جمل، فتتعقد الأمور وتغيب الحلول، وتبقى الأولويات والقضايا التي تهم المواطن تراوح مكانها في المربع الأول، والأمثلة هنا كثيرة.
لقد تعاقبت المجالس والحكومات بينما بقيت الاوضاع على ما هي عليه، وخذ، مثلا، مستوى معيشة المواطن الذي إلتهم التضخم دخله، وأوضاع الطرق المهترئة، والبنية التحتية المتهالكة، والتركيبة السكانية المحفوفة بالمخاطر، الاجتماعية والأمنية.
كذلك المالية العامة المثقلة بالإختلالات والتشوهات، ومناخ الإستثمار المتردي، والخدمات الصحية المتدنية رغم الإنفاق المرتفع عليها، والأمر كذلك ينسحب على التعليم والخدمات.
كل ذلك لا نرى له أولوية في الخطاب النيابي المنشغل بمناصب المجلس، والخلافات الشخصية، ما أصاب المواطن بالملل من تكرارها، بل وهمشت أولوياته، وقضاياه.
وأنا هنا لا أقصد الجميع، لكنني أقصد الجزء، وهم ليسوا قلة، وأحيانا يتسيد خطابهم الساحة، فيبدأ الحديث بالقضايا العامة، وفجأة يتحول على فلان، وفلتان، وعلان، فيغيب ما هو عام، ومصلحة وطنية، ويظهر ما هو شخصي ومصلحة ذاتية، من دون أدنى إدراك لمخاطر ذلك على الوحدة الوطنية، بما لا يتيح المجال لموقف مشترك وموحد لمعالجة القضايا المطروحة.
لا أدري متى يدرك البعض أن التحديات الكبيرة التي تواجهنا لا يستطيع نائب لوحده، أو مجموعة نواب، أو المجلس برمته، أن يعالجها، ولا يستطيع وزير واحد، أو الحكومة برمتها، أن تعالجها منفردة.
ان المعالجة الناجعة والفعالة لما يوجهنا من تحديات تتطلب شراكة متماسكة داخل المجلس، وبين المجلس والحكومة، والمجتمع المدني والمواطن، وهذا ما لم نتمكن من تحقيقه، فبقيت قضايانا من دون معالجة، وتحدياتنا من دون مواجهة، وأولوياتنا بلا حلول، وبقي المواطن الكويتي في حيرة وتساؤل، محبط حول كل ذلك.
وهنا أكرر ما ورد في العنوان، يا جماعة، يا أعضاء المجلس، يا نواب الأمة، لا تقحمونا في خلافاتكم الشخصية، ولا تضعوها فوق أولوياتنا كمواطنين، وفوق المصلحة العامة فهذا ما يعنينا.
وكلمة لا بد أن تقال، إذا تصورتم أن خلافاتكم وصراعاتكم الشخصية، والرغبة بالإستحواذ من المصلحة الوطنية، فإن مجالها الحوار الديمقراطي البناء، الذي يبني ولا يهدم، يداوي ولا يجرح، وذلك في قاعة عبدالله السالم، وليس على "اكس" أو صفحات وسائل التواصل الإلكتروني، فذلك لن يحل المشكلة، بل يفاقمها.
إن الديمقراطية، يا جماعة الخير، مثلما هي دستور ومؤسسات وقانون، فهي كذلك نظام من القيم والأخلاقيات أساسها احترام الرأي والرأي الأخر، والحوار الموضوعي البناء، وتغليب المصلحة العامة، واحترام القضاء باعتباره المرجعية الوطنية المشروعة للجميع، والحرص على الوحدة الوطنية، والتماسك الإجتماعي، وإذا غاب ذلك، أو بعضه، فلندرك أن الوطن في مأزق، والمواطن في حيرة، ويأس مما لا تستقيم معه الديمقراطية.