الخميس 19 سبتمبر 2024
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

القدم المكسورة

Time
الأربعاء 08 مايو 2024
View
100
محمد الفوزان
قصص إسلامية

يقول أحدهم: في يوم من الأيام كنت خارجاً من المسجد بعد صلاة العصر، فاختل توازني فسقطت، وانكسرت قدمي.

ذهبت للمستشفى، وجرى تجبيس القدم والساق حتى الركبة، وأخبرني الطبيب أن الجبس سيستمر من شهر ونصف الشهر إلى شهرين.

مساء، وبعد العودة إلى البيت بدأت تتكشف لي حقائق ودروس، وعبر ما كنت ألحظها، ولا ألقي لها اهتماماً كثيراً.

بدأت أكتشف أهمية قدمي للمرة الأولى في حياتي، وعظيم ما تقدمه لي من خدمات!

صار دخولي للحمام مهمة تحتاج إلى تخطيط وتنسيق، وترتيب وتركيز شديد جدا، والوضوء والصلاة وقضاء الحاجة صارت مهمات تحتاج إلى ترتيبات...أصبحت الحياة صعبة للغاية!

في فجر اليوم الأول بعد الحادث ذهبت للحمام وبعد ما توضأت سقطت سقطة في الحمام، لا أعرف إلى الآن كيف نجوت منها ولله الحمد، فهي سقطة كانت للموت أو الشلل.

للمرة الاولى استوعب مشاعر من أقعده المرض، وكبار السن، واتخيل من يعيش وحده، وتتوقف حياته حتى يأتي من يخدمه ويساعده ويرعاه!

في أحد الأيام كنت وحدي في البيت لوقت قصير، فذهبت على مشاية كبار السن على قدم واحدة إلى المطبخ، وصنعت لنفسي كوبا من الشاي، ثم اكتشفت مفاجأة لم تخطر ببالي: كيف سأعود بكوب الشاي لكي أشربه أمام التلفاز؟ حيث اكتشفت أن العودة سيراً على قدمي بكوب الشاي في يدي نعمة عظيمة لم أتنبه إليها قط!

شعرت بألم رهيب في ساقي المكسورة، فأسرعت في منتصف الليل للمستشفى، وبعد الـ"سونار" تم تشخيص الحالة أنها "جلطة"، وهي أحيانا نتيجة عدم الحركة.

تم حجزي في المستشفى بسبب نوبة سعال أصابتني، فقد حصل شك في أن الجلطة وصلت للرئة، فتم نقلي للعناية المركزة فوراً، وبدا أن طوبة تحت قدمي أمام المسجد تتحول كابوسا مرعبا، بدأ شريط حياتي يمر أمام عيني، وكان أكثر معنى مسيطر على خاطري هي النعم الوفيرة التي كُنتُ أرفلُ فيها لما كنتُ في حياة عادية، والندم على التفريط في كثير من الوقت الذي يضيع لا أقول إنه في معصية، ولكن بدون فائدة أخروية تنفعني يوم القيامة.

بجانبي في غرفة الرعاية وعلى كل سرير حكاية كلها تفاصيل ودروس واحلام، ونجاح وفشل وخيبات أمل، وفي المستشفى الناس أنواع: مرضى وموظفون، والمرضى أنواع: الميئوس من شفائهم، ومن لا يُخشى عليهم، وأصحاب الأعراف بين الخوف والرجاء.

قضيت ليلتي في الرعاية تحت هجوم كاسح من وخز الإبر، فتعاطفت مع من يعيشون حياتهم بالإبر، والأدوية، والمسكنات طوال السنين والأعمار، لكن لهم الأجر العظيم على صبرهم!

تم عمل أَشِعَةِ بالصبغة على الصدر على أن نعرف نتائجها في الصباح

في الصباح كانت حياتي كلها متوقفة على كلمة الطبيب الذي راجع الأشعة، فقال: الأشعة سليمة، والحمد لله، قالها بكل بساطة؛ فانتهت في عقلي سيناريوهات مرعبة محزنة مؤلمة!

كانت المعضلة هي أن القدم ما زالت مكسورة، لكن الجبس ممنوع بسبب جلطة الساق، وأن علاج الجلطة مقدم على علاج الكسر، مما يعني أن العودة للمشي عليها سيحتاج لوقت أطول من الطبيعي، وتورمت قدمي وتغير لونها بسبب عدم وجود الجبس،

وبسبب الاعتماد على قدم واحدة أصبح هناك ألم رهيب في مفصل الحوض في القدم السليمة، وفي ركبة الساق السليمة.

أصبحت يداي تؤلمانني من ثقل الاعتماد عليهما وزاد وزني...

لقد قرأت كثيراًعن ضعف الإنسان وذلته وهزيمته أمام بعض الأحداث، ولكن لم أعاين هذا الضعف كاليوم، إصابة بسيطة يترتب عليها سلسلة تداعيات خطيرة لا أدري متى تنتهي وكيف ستنتهي....

انتبه يا مسلم ألاّ تفكر في قيمة النّعم إلاّ لما تفقدها، (لإيلاف قريش) يعني بيألفوا النعمة، ويعتادونها فيفقدون شعورهم إنها نعمة، وإنها فضل كبير من الله، ولا يعرف قدرها إلا من فقدها وعاش ضدها!

"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" (سورة ابراهيم 24)

الحمد لله على نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، ربنا ارزقنا ووفقنا لشكرها كما تحب وترضى يارب.

[email protected]

آخر الأخبار