أكثر من 60 جامعة اميركية شملتها الاحتجاجات المناهضة للإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة، وذلك في الولايات المتحدة فقط، في حين يعتقد أن العدد تجاوز 120 جامعة في أنحاء العالم، من أميركا الى استراليا وكندا وايطاليا، مرورا بإسبانيا، وكذلك بريطانيا وفرنسا واليابان، وحتى في بعض دول أوروبا الشرقية.
تمدد تلك الاحتجاجات والتظاهرات الطلابية دلائل مهمة أن القضية الفلسطينية انتصرت على محتلها، الذي لا يعدو إلا أداة للهيمنة الغربية، وأن الشهداء من غزة شمالها، وجنوبها، ووسطها، إلى الضفة بمخيماتها من جنين وطولكرم إلى نور شمس، كانوا البوصلة.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أهمية هذه الاحتجاجات والتي لا تقل أهمية من حيث الضخامة والتنوع والإرادة عن التظاهرات الطلابية لعام 1968، بل تتعداها وتتخطاها، لأن المظاهرات الحالية جميعها في مختلف الدول كانت من اجل فلسطين، في حين تظاهرات الستينيات كانت ضد حرب الولايات المتحدة على فيتنام، وضد الرأسمالية وديغول فرنسا، وعلى الامور الحياتية والجامعية في اليابان، وضد الاستبداد في تشيكوسلوفاكيا السابقة، والتي سميت احتجاجاتها "ربيع براغ".
أحد الأمور المهمة في احتجاجات الجامعات أنها بدأت بجامعات مرموقة ومهمة، كجامعة "كولومبيا" و"هارفرد" وغيرها، فهيلاري كلينتون وزوجها الرئيس السابق للولايات المتحدة كانا من خريجيها، وكذلك مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة.
ومنها تخرج قضاة في المحكمة الأميركية العليا، أمثال روث بايدر غينسبرغ، والرئيس الأرجنتيني السابق ماوريسيو ماكري (الذي أغرق بلاده بالديون الخارجية وأنكسها)، ورئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي (أنصار الثورات الملونة المدعومة غربيا) وغيرهم، فهي جامعات لها وزنها السياسي قبل العلمي والاكاديمي.
إن هذه الاحتجاجات كسرت الـ"بروباغاندا" والتضليل للمنظومة الاعلامية والتكنولوجية الغربية، فرغم مئات الملايين من الدولارات في توحيد السرديات المضللة حول القضية الفلسطينية خصوصا، إلا أن السلاح التكنولوجي ادى وظيفة عكسية، ورأى العالم، بالصوت والصورة، المجازر الاسرائيلية والانتهاكات التي كسرت حتى الصورة الوحشية للحرب العالمية الثانية في حق الإنسان.
إن هذه الاحتجاجات إنطلقت وتمددت رغم القيود القانونية، والأمنية، المفروضة في المجتمعات الغربية تحت مسمى "معاداة السامية" والتي تصل عقوبتها إلى السجن لسنوات، والأغلظ قانونيا في تهمة معاداة السامية هي ألمانيا، التي سنت اخيرا قانونا يجرم حتى الكوفية الفلسطينية، ومنع الأعلام الفلسطينية، ورغم جميع ذلك تتزايد التظاهرات الطلابية والعامة.
إن الاحتجاجات تضمنت هيئات للتدريس، أو بعضها، وبعض أطقم الاكاديميين في الجامعات، وهو أمر ليس يسيرا، كون الوظيفة في هذه الجامعات المرموقة على خصوصا تعد ميزة استثنائية، معيشيا وأكاديميا، وأهمية تلك الاحتجاجات أنها تحدت اللوبي الصهيوني، الأخطبوط في الهيئات الادارية والاستثمارية للجامعات الاميركية تحديدا.
لا بد من التأكيد أنه لولا المقاومة الفلسطينية للآلة العسكرية الصهيونية، ومحورها الذي ظل صامدا ومقارعا، ولا يزال، بالإضافة الى شعبها المناضل لأكثر من سبعة أشهر، لما تغيرت اللهجة الاوروبية تجاه "الحرب"، ولما وجدت هذه التظاهرات والاحتجاجات في الغرب.
لهذا فالاحتجاجات الطلابية في الغرب من أحد أبرز مظاهر دلالات النصر للقضية الفلسطينية لأسباب عدة، أهمها وأبرزها، أن الغرب وخلال العقود الماضية وتحديدا منذ اتفاقية أوسلو 1993 أراد محو هذه القضية وإماتتها، وتحويل الشعب الفلسطيني شعب شتات، يعيش في مخيمات في شتى بقاع الأرض، وسلب حتى صفة لاجئين منه.
من ثم تثبيت الكيان الصهيوني كمرتكز استعماري في المنطقة يؤدي مهمات شرطيها، بيد أن "طوفان الاقصى" والتفاعل الدولي، وأبرزها الاحتجاجات الطلابية وغيرها، أعادها إلى الصدارة، بل أخرجها من قضية عربية إلى قضية أممية ودولية، يصعب نسيانها في تاريخ الشعوب، كما هي الثورة الطلابية في ستينيات القرن المنصرم.
فتصاعد الوعي بالقضية الفلسطينية من قصة حكواتية إلى قصة وقضية، لا تقل أهمية عن نظام الفصل العنصري الذي حكمت خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا منذ عام 1948، من دلائل هذا النصر.
إن الاحتجاجات الطلابية في الدول الغربية دلالة مهمة على النصر، والتطور في القضية الفلسطينية.
لكن يجدر القول انه ليست كل دلالة طريقا للاستقلال، فالتحرير والاستقلال في الدول المحتلة يكون على أيدي رجالها.
كاتب كويتي
[email protected]