يوم الجمعة من أحب الأيام إلى الله عز وجل، وفيه ساعة قبول لسماع تضرع العباد، وكان أول من أمس، جمعة الحسم، عبر خطاب صاحب السمو الأمير، الذي أنهى اختطاف الدولة من العبث الذي ساد خلال 32 سنة، كنا فيها لا نسمع إلا جعجعة ولا نرى طحيناً، وخلافات وصراعات عبثية لم تقدم أي شيء يفيد التنمية.
كل هذا كان يجري من أجل مصالح شخصية، ما أدى إلى تراجع الاقتصاد، وإغلاق البلاد، وزيادة التعدي على المال العام، وكأنه "مغارة علي بابا والألف حرامي"، لأنهم وضعوا قوانين كان ظاهرها الحرص على المجتمع، أما باطنها فالعمل على تطويعها من أجل حكم جماعات رأت نفسها، في لحظة غي، أنها الولي على الناس، فيما هي مؤلفة من أشخاص أصيبوا بلوثة الأنا، وسعوا إلى الحكم بشتى الطرق.
كان كل من يعارض هؤلاء، أو يطالب بتعديل تلك القوانين أو تحديث المنظومة التشريعية بما يخدم البلاد، أو تعديل الدستور نحو الأفضل يعاقب، وينزلون عليه أشد اللعنات، وكأن النص الذي وضعوه، أو الدستور الذي خيلوا للناس أنه لا بد أن يعبد هو قرآن مجيد ممنوع الاقتراب منه.
منذ 32 سنة عاشت البلاد في ظل فوضى تشريعية، كان عمادها التمصلح بشتى الطرق، وليس من أجل خدمة الدولة والكويتيين، فيما الناس كانت تشكو من الحال التي وصلت إليها البلاد، وهي ظاهرة تشهدها البلاد للمرة الأولى، حتى في المرتين السابقتين لوقف العمل ببعض مواد الدستور، كانت مختلفة تماماً عما شهدناه في الأشهر الأخيرة، من عبث كاد يضيع البلاد.
كل هذا لم يكن من الدستور، الذي وضعه أخيار الكويتيين، الذين حرصوا على أن الدولة تكون في مصاف الدول الحديثة في كل المجالات، وتحوز الريادة في المنطقة، لكن ما جرى بعد ذلك أن الورثة كانوا من أخيب الناس، فلم يسيروا على خطى الأولين، ولا تعاملوا بالأخلاق الأصيلة التي تربى عليها الكويتيون منذ نحو 400 عام.
بدلا من ذلك، راحوا يعملون على تطويع كل شيء لمصالحهم، ولهذا ساد الهذر بدلاً من العمل، وهو كما قال صاحب السمو مخاطباً أهل الكويت: "إن الجو غير السليم الذي عاشته البلاد في السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد، ليصل إلى أغلب مرافق الدولة، بل وصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية، ونال حتى من مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم ليبقى دائماً مشعلاً للنور وحامياً للحقوق وراعياً للحريات".
لذا، فإن التأييد العارم للإجراءات التي اتخذها صاحب السمو دل على أنها كانت أكثر من ضرورية لإخراج البلاد من مأزقها، وكانت أيضا تصويباً أميناً لمسار الدولة، التي لا بد من أن تقوم من كبوتها، فالدول التي نهضت كان وراء نهوضها رجل حاسم، لديه عزيمة، لا يمكنه أن يرى معاول الهدم تضرب في كل مكان ويبقى صامتاً.
نعم، إن أي نهضة تستدعي أحياناً العلاج المؤلم، وهذه هي الوصفة التي عمل بها كل القادة العظام الذين يتيسرون كل فترة لأمتهم، يقودون دولهم بعزيمة وحزم، لهذا نقول لصاحب السمو الأمير: الآن شعبك شعر بأن بلادنا فيها حاكم حكيم، وأننا اليوم نشعر بأن البلاد تهدأ أمورها بأهل الرأي ما صلحت وإن تولت فبالأشرار تنقاد.
أميرنا بارك الله في قرارك الذي أتى بعد صبر وطول بال، فمن خطابك نشعر أن بلادنا أمامها الأمن والأمان، وحفظك الله لتكمل مسارك في حفظ أمن الكويت، وازدهارها، وبارك الله في أوامرك وقراراتك، فقد سمعت أيها الحليم صوت شعبك وأنينه بعدما أثخنته الجراح، لهذا هو اليوم فرح بكل ما اتخذته من إجراءات.
نعم، فقد كان الكويتيون يشكون أمرهم لولي الأمر، الذي كان حليماً الى حد شُبه لبعض المغامرين أنه ضعيف، وأن إفساح المجال للإصلاح من داخل المؤسسات يعني المزيد من الفوضى والتطاول على الإجراءات التي تتخذ، لهذا كان كان العلاج المؤلم الصائب ضرورة، ولهذا، للمرة الأولى نحن أمام حاكم لديه عزيمة على الإصلاح، مهما كان الثمن.