السبت 10 مايو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

دور خونة العرب في المعارك الحاسمة

Time
الخميس 16 مايو 2024
View
270
محمد الفوزان
قصص إسلامية

وقعت معركة عين التمر في العراق بين قوات المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، والقوات الساسانية الفارسية، ومعها جموع من قبائل العرب.

وتقع عين التمر غربي الأنبار، وهي منطقة أسسها الفرس لحماية حدودهم، فبعد سقوط الحيرة على يد خالد بن الوليد عام 633 ميلادية توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت في عين التمر الواقعة على الطريق إلى دومة الجندل، وكان يقطنها العرب النصارى الموالون للفرس.

وكانت الحامية مؤلفة من قسمين، الأول: فارسي تحت قيادة القائد الفارسي مهران بن بهرام، والثاني عربي من قبائل النمر وتغلب وإياد بقيادة عقة بن أبي عقة.

تميزت هذه المعركة الغريبة بسرعة انتهائها، حيث لاذ العرب الخونة بالفرار قبل أن تبدأ المعركة فعلياً.

عقّة هذا كان مغروراً متعجرفاً، والرغبة تملكته لحيازة الفخر والمجد بالانتصار على المسلمين، إرضاءً لأسياده الفرس، فقد طلب من القائد الفارسي مهران أن يخلي الساحة ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: "إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالداً"، وقد علم ما حقق خالد من انتصارات قبل ذلك.

وعندما سمع مهران هذا الكلام من عقّة قال له: "صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم".

كان القائد مهران قد أراد تجنب قتال المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون بعد انتصاراتهم المتلاحقة في العراق في ذلك الوقت، وقد انتقد قادة الفرس ذلك الأمر من مهران، واستنكروا قوله هذا لعقة، فقال مهران:

"دعوني، فإني ما أردت إلا خيراً لكم وشراً لهم! إنه قد جاءكم من قتل ملوككم، وفلّ حدّكم فاتقيته بهم، فإن غلبوا خالداً فهو لكم، وإن غُلبوا قاتلنا خالداً، وقد ضعفوا ونحن أقوياء"، فاعترفوا له بفضل الرأي عليهم.

خرج عقة المغرور، ومن معه من العرب المتنصرة من عين التمر للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غروراً منه لمبادرة المسلمين بالهجوم، ووصل إلى منطقة الكرخ، وعبأ قواته، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ خالد الجيش بسرعة، واستعد للقتال.

ولم يكن خالد قد رأى عقة، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور، فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة في الوقت نفسه، وهي خطف القائد عقة نفسه في عملية فدائية، أشبه ما تكون بعمليات الـ"كوماندز"، فانتخب مجموعة خاصة من أبطال المسلمين، وأطلعهم على الفكرة الجريئة.

كانت الخطة تقضي أن يبدأ جناحا جيش المسلمين بالمناوشات البسيطة من دون شن هجوم كبير لإشغال الطرفين المقابلين من جيش العرب، بينما بقي القلب في سكون حتى يُعْطِي خالد إشارته بشن الهجوم، وهذا ما جعل عقة يستغرب من تأخر قلب جيش المسلمين عن الهجوم، وكان خالد ومرافقوه في مقدمة الجيش، لكن ما حدث في اللحظات التالية هو أن الجنود اندهشوا من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم عليهم، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا وخالد قد أَسَرَ عَقَةَ، وَحَمَلَهُ بين يديه كالطفل الصغير، وعاد به إلى صفوف المسلمين، وعندها تجمدت الدماء في عروق العرب، وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفاً واحدا.

فلما بلغ مهران هزيمة عقة وجيشه، وكان قد أرسل الاستطلاع لمراقبة مجريات المعركة، نزل من الحصن وهرب مسرعاً مع حاميته باتجاه المدائن، وترك الحصن من دون حماية، ورجعت فلول العرب المتنصرة إلى الحصن، فوجدوه مفتوحاً، فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فلما رأوا ذلك سألوه الصلح فأبى، إلا أن ينزلوا على حكم خالد، فجعلوا في السلاسل، وتسلَّم الحصن، ثم أمر فضربت عنق عقة ومن كان أُسِرَ معه، والذين نزلوا على حكمه أيضاً أجمعين، وغنم جميع ما في ذلك الحصن.

وجد خالد في الكنيسة التي في الحصن أربعين غلاماً وعليهم باب مغلق، فكسره خالد وسألهم عن حالهم فأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر، فقسمهم على أهل البلاد من جنده، فمنهم من أخذ غلامه ورباه، ومنهم من باعه على أهل مدينته.

من هؤلاء الغلمان الذين وجدهم خالد في كنيسة عين التمر كان

سيرين، الذي اشتراه أنس بن مالك الأنصاري وأعتقه، وهو والد الفقيه المعروف محمد بن سيرين.

وكذلك كان الغلام نصير من سبي خالد في تلك الكنيسة، وهو والد الفاتح الإسلامي والقائد الشهير موسى بن نصير، وكذلك يسار جد محمد بن إسحاق كاتب السيرة "المغازي".

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار