السبت 19 يوليو 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
دولٌ نهضت بقادتها وأخرى تراجعت بديمقراطيتها
play icon
الافتتاحية

دولٌ نهضت بقادتها وأخرى تراجعت بديمقراطيتها

Time
الأحد 19 مايو 2024
أحمد الجارالله

الجميع يعرف الظروف التي كانت سائدة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وكيف فرضت وجود الدستور والديمقراطية عندنا، لا سيما تهديدات النظام العراقي، يومذاك، ومساندة الاتحاد السوفياتي له، ورفضه الاعتراف باستقلال الكويت، لهذا جاء هذا الدستور العظيم والجميل الذي وضعه خيار أهل الكويت أعضاء المجلس التأسيسي.

مرّت المجالس الأولى بمحطات، منها الجيدة وقدمت الكثير للبلاد، فيما بعضها شهد انتكاسات عدة، لكنها لم تحد عن المسار الذي رسمه الآباء المؤسسون، حفاظاً على استقرار البلاد السياسي مهما كلف الثمن.

كانت الكويت أول دولة خليجية لها دستورها المتقدم في ذلك الحين، ورغم الانقلابات والثورات التي شهدها العالم العربي، والتيارات القومية والدينية وغيرها، إلا أن أهل الكويت لم يحيدوا عن المسار، حتى ثمانينيات القرن الماضي التي شهدت أزمة كبيرة، رغم ذلك كان الكويتيون، رغم حراكهم الشعبي الكبير، يحرصون على التمسك بجوهر دستورهم، لأنهم عرفوا أن سيادة الكويت ووحدتها، مصدر قوتهم.

للأسف، إن من ورثوا هذه القيم العظيمة لم يكونوا بمستوى الآباء المؤسسين للديمقراطية الراشدة، إنما كانوا مجرد مراهقين سياسيين، لهذا فهموا أن حرية الرأي والتعبير هي الشتم، والمس بصلاحيات الحاكم، وأن الديمقراطية هي الزحف على صلاحيات السلطات الأخرى، إلى درجة أنهم تعدوا على القضاء، وحاولوا تقويض صلاحيات الحاكم، بل حاولوا مرات عدة تقييده، وما زاد الطين بلة، وسائل التواصل الاجتماعي، فانتشرت الحسابات الوهمية التي كانت تسعى إلى النيل من كرامات الناس لإخضاعهم.

في المقابل، تناسى أولئك أن الدستور نص على تطوير نفسه، خلال خمس سنوات، بل إنهم أشاعوا الخوف من المس به، لأنهم خَبِروا الثغرات التي تسمح لهم بفرض ما يريدون، لهذا كان كلما طرح أحدهم فكرة تعديله شنّوا عليه حملات، تصل إلى تكفيره، وعملوا على تأليه النص، ولهذا لاحظنا في السنوات الأخيرة غالبية الكويتيين ضاقوا ذرعا بالدستور والديمقراطية.

في هذا المجال، أتذكر قصة فيها الكثير من العبر على ما آل إليه وضع الكويت وصورتها في الإقليم، إذ عندما تولى الشيخ حمد بن خليفة الحكم في قطر خلفاً لوالده في العام 1995، جاء بخيار أهل البلاد، وقال لهم أرغب في أن تكون لدينا ديمقراطية على غرار الكويت، فما رأيكم؟

أعتقد كان بينهم الوجيه ناصر بن عبدالله العطية، رحمه الله، الذي قال: "نحن في ركابك أيها الأمير، ولك السمع والطاعة"، فقال الشيخ حمد: "أنا أستمزج رأيكم"، حينها أجاب العطية: "عندها ستجد الأخ يشتم أخاه، فما وصلت إليه الكويت من فوضى جعلت الجميع منقسمين، ونحن شعوب أمرها من أمر ولي أمرها"، وعلى هذا الأساس وجد مجلس الشورى في قطر، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية، والإمارات.

ولقد شهدنا في تلك الدول التنمية تسير وفق ما هو مرسوم لها، والفساد لا يكاد يُذكر، لأنه تيسر لها حكام لديهم الطموح والرغبة في إنهاض بلادهم، وليس عشرات الحكام، كما كانت الحال في الكويت حين أصبح في مجلس الأمة 50 حاكماً، وكلهم يعتقدون أن لديهم صلاحيات تنفيذية توازي رئيس الدولة.

اليوم، الكويت في أيدي حاكم أمين على مصالحها، لديه الرغبة في أن ينهض ببلده، فيما كانت توجعه الفوضىى والتراجع الاقتصادي والتنموي، وكيف انتهت إليه الأمور، لذا اتخذ قراره الكبير بتخليصها من مرضها، مهما كان الثمن.

  • أحمد الجارالله

آخر الأخبار