حوارات
حَرِيٌ بكل إنسان عاقل، لا سيما من استفاد من تجاربه، وتجارب الآخرين، أن يختار أوسط الأمور في تعاملاته، وعلاقاته الاجتماعية، ويتّخذ من الناس موقفا وسطيّا بين القُرب والبعد، فلا يعتزل الحياة العامّة، ولا يندفع في تكوين علاقاته الاجتماعية لكي لا يجذب إليه الشخصيات السميّة، أو اقران السُّوء.
تقول العرب في أحد أمثالها القديمة: "الانقباض عَن النَّاس مكسبة للعداوة، وتقريبهم مكسبة لقرين السوء، فَكُن من النَّاس بَين الْقرب والبعد، فَإِن خير الْأُمُور أوساطها".
ويجدر بمن يرغب في أن يصبح من، أو، مع النَّاس بين القرب والبعد أن يلتزم بعض المبادئ السلوكيّة الوسطيّة التالية، ويسعى لاستعمالها في حياته الخاصّة، وفي تفاعلاته وتعاملاته وعلاقاته مع الآخرين في الحياة العامة، ونذكر منها ما يلي:
-عدم الإفراط في الاِنْبِساط: خليق بالمرء الرزين، في عالم اليوم المضطرب، أن يحرص كل الحرص على عدم الانبساط الكامل مع كل من يتعامل معهم في الحياة العامّة، وذلك لأن الانغماس في الدعابة واللهو، والفكاهة والممازحة، على سبيل المثال، يجب حصره في نطاق الخاصَّة (أفراد الأسرة، أو مع الأصدقاء الحميمين المقرّبين جدّا)، حتى لا يضع نفسه في مواقف محرجة، أو يجلب لها استهانة العامّة.
-صادِق نفسك قبل أن تُصَادِق: يُصبح الانسان صديقاً لنفسه عندما يقضي كثيراً من وقته الشخصي في التعرّف على ذاته، وعلى مبادئه الأخلاقية، وأولوياته وأهدافه الشخصية.
وعندما يعرف نفسه بأدقّ طريقة ممكنة، ومن يُصادِق نفسه، ويعرفها حقَّ المعرفة، يستطيع اختيار الأصدقاء الصالحين الذين يضيفون رونقاً حسناً الى حياته الشخصية.
-فنُّ القرب والبعد من الجنس البشريّ: التعامل بوسطية مع الأشخاص، في العلاقات الاجتماعية العامة، هو فنُّ سلوكيّ واجتماعي يتقنه الفرد النجيب الذي يمتلك قدراً مناسباً من الوعي بالذّات، و المُتَيَقِّظ ذهنيًّا عندما يتواجد في الحياة العامة، ومن لديه وعي ظرفيّ صحيح، ومن يكرّر لنفسه قول المثل العربي المشهور: "إن مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أَمِنَ العِثارَ" (الأرض المستوية)، ومن يتحفّظ في سلوكيّاته في العالم الخارجي لا بدّ أن يحترمه العقلاء، ولا يتعدّون حدودهم معه!
@DrAljenfawi