السبت 10 مايو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

الملك العادل

Time
الأربعاء 29 مايو 2024
View
240
محمد الفوزان
قَصص إسلامية

التاريخ يوثق سيرة الملوك الأشرار والأخيار، وكل ملك مسؤول عن نفسه بكتابة تاريخه، والأجيال إما تُثني عليه وتمدَحُهُ وَتَذْكُرُ سيرته بالحب والثناء، أو تلعنه إلى قيام الساعة حيث يقف بعدها أمام الباري ليلقى حسابه وجزاءه، فإنَّما يمد الله لهم فيما هم فيه استدراجا، وجميع ما هم فيه إنما هو متاع قليل ثم مأواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمِهَادُ.

قال تعالى: "نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ"، دائماً نعود بين الفينة والأخرى الى الاستعانة بمسيرة الملوك والشعوب، وحوادث التاريخ، لنأخذ منها العبرة والعظة في حياتنا، بعد أن ساد الظلم وعم الفساد في حياة المسلمين، فكان لا بد من جرس يوقظنا ويهز كياننا بعنف، قبل أن نلقى وجه رب العالمين.

في عام 1530، كان هناك ملك مسلم يحكم أفغانستان وأجزاء من الهند اسمه شیرخان، كان أعجوبة في العدل، لم يرَ العالم له مثيلا من بعد زمن الصحابة والتابعين، كان بالنسبة للشعب علامة في العدل.

في ذلك العام، كان لهذا الملك جيش يحارب على حدود البلاد، يتمركز على قمم الجبال، وعلى قمة أحدها كوخ صغير ترجع ملكيته لأحد الفقراء.

ذات يوم قرر أفراد الجيش ازالة الكوخ لتنفيذ احدى الخطط العسكرية المنوط القيام به، وبالفعل أزيل، وأُلزِمَ الرجل الفقير على النزول الى السهل المنبسط هو واسرته، وبعد أيام عدة لم يستطع هو وأسرته تقبل ظروف معيشة السهل، فقرر الذهاب الى الملك شيرخان ليشتكي اليه.

عندما وصل الفقير إلى المدينة سأَلَ الحَرَسَ عن الملك شيرخان فقالوا له: إنه ذَهَبَ الى أطراف المدينة للعب مع الأطفال!

فذهب الى حيث وَصَفُوا لَه خَلْفَ المسجد الكبير، وهناك وَصَلَ الى ساحة واسعة ينتشر فيها عدد كبير من الأطفال الذين يظهرون في أجمل حلة، وبينهم يقف الملك يلعب معهم.

تقدم الرجل وسأل أحد الواقفين: مَنْ هؤلاء الأطفال؟ فأجابه: هم يتامى من أطفال المسلمين.

فقال: لكن ثيابهم لا تدل على أنهم أيتام!

ردّ الآخر: لقد أمر الملك شيرخان بكسوة اليتامى بأفخر وأقيم الثياب، التي تفوق ما يلبسه أبناؤنا، ففرح الرجل واستبشر خيراً، واعتقد ان حاجته ستقضى على الفور بمساعدة هذا الملك العادل.

وعندما انتهى الملك مِنَ اللَّعِب مَعَ الأولاد أَخَبَرَهُ أَحَدٌ حراسه بأنّ هناك رجلاً يبدو فقيراً يريد حاجة، فقال الملك بانزعاج، ولمَ لم تدخله إليَّ مباشرة منذ ان حضر، لعله جائع أو خائف؟

ثم قام الملكُ وَذَهَبَ الى حيث يقف الفقير، وقال له بكل تواضع: "لبيك يا عبد الله أمامك خادِمُكَ شيرخان، ماهي مظلمتك وسأقضيها لك بإذن الله"؟

وقف الرجل في ذهول وتردد في الكلام، ولكن الملك طمأنه وأخذ يتبسم ويقول له: "تَحَدَّثَ وَلَا تَخَفْ إِلَّا من الله، فوالله لو كان حَقَّكَ عندي لجعلتك تقتص مني الآن".

تحدث الرجل الى الملك وقَصَّ عليه قِصَّتَهُ، فقال الملك: "أبشر يا عبد الله، فإنَّ مظلمتك في ذمتي إلى أن يصلك حَقّكَ"، ثم أمر بمعاقبة قائد الجيش، وأن يأخذ الفقير بيته حتى يُبنى للفقير بيت كبير فوق قمة الجبل، وتنشأ قلعة عسكرية الى جواره للدفاع عن المنطقة.

فتعجب الرجل من هذا الملك الذي تَعْجَزُ كلَّ كلمات الشكر والثناء أنْ تَفِيَهُ حَقَّهُ، وبدأ في مدح الملك، ولكنه قاطعه قائلاً: "لا داعي للشكر، فهذا كله من مال الله الذي استخلفني لخدمة ضعفاء المسلمين قبل أقويائهم، فخير لي أن اخسر المعركة ويقطعني أعدائي إرباً، من أن القى الله يوم القيامة وفوق كتفي مظلمة فقير أو مظلوم".

يقول تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (النساء 58)

يستشهد بها الكثيرون من المسؤولين والقضاة في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى عبارة شائعة أخرى، ينسبها الناس تارة لأبي حامد الغزالي، وبعضهم لمجمل أعمال ابن خلدون، وهي "العدل أساس الملك".

صحيح أن العدل هو قيمة إنسانية عامة جداً، ولا يمكن قصرها على ثقافة بعينها "الظلم ظلمات يوم القيامة"، قاعدة نبوية جليلة لا تستثني أحداً من الناس، ويعظم الوعيد ويشتد على من استغل قوته، أو مكانته، أو سلطته في ظلم العباد، واحتقارهم.

أنظر كيف كانت نهاية فرعون حين تجبر وطغى "فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ"(يونس: 39).

ولما ذَكَرَ اللهُ قصة ثمود وما حل بهم، قال تعالى: "فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"(النمل: 52)، فظلم العباد من أسرع موجبات الهلاك والخراب للأمم والمجتمعات، وأن العدل أساس الملك.

امام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار