صباح الخالد... شيخ التواضع والنزاهة قبل 40 عاماً

مختصر مفيد

جرت العادة ان ترسل وزارة الخارجية الديبلوماسيين للتدريب في هيئة الأمم المتحدة في نيويورك كل عام، لفترة ثلاثة أشهر، ففي 17 سبتمبر 1985 أرسلتنا وكنا خمسة مبعوثين: ناصر المزين، ومبارك العدواني، وجحيل الجحيل، وبدر الحوطي.

تم توزيعنا على لجان الأمم المتحدة، وعملت في اللجنة السياسية أكتب تقارير عن المسائل التي تُطرح فيها، وأبعثها للخارجية، وكان ضمن الوفد الدائم لدولة الكويت الشيخ صباح الخالد، ومحمد الصلال، وضرار رزوقي.

وفي يوم دعانا هؤلاء الكرام الى حفل عشاء في مسكن أحدهم، وهنا نهض الشيخ صباح الخالد، مع المستشار الصلال، ودخلا المطبخ يعدان لنا طعام العشاء، بكل أريحية ونشاط، وكانت طبخة كويتية لذيذة، فجزاهما الله خيرا.

كان الشيخ صباح الخالد متواضعا في سلوكه محبوباً من الجميع، لم يتكبر، ويقل أنا ابن شيخ، انا ابن الأسرة الحاكمة، كيف أطبخ لكم؟

بمرور الزمن تولى مناصب وزارية، وأثناء توليه منصب رئاسة مجلس الوزراء، كان يتحدث في إحدى المرات في مجلس الأمة فنهض نائب، لا داعي لذكر اسمه، وصرخ يقاطع سموه بصوت عال، بينما كان يرد عليه بشكل راق ومهذب.

مهما قلت لن أوفي سموه حقه، فقد صقلته التجارب، وهذبت المحن أخلاقه فصار محبوباً، داخل الخارجية وخارجها، بل وفي الدول التي عمل فيها، وهذه شهادة متواضعة من إنسان لمس من سموه هذا السلوك الجم.

سلوكه المتواضع من مميزات القائد الجيد والحكيم، ولقد ضربنا أمثلة عنها في مقالات عدة، فقد اضطر رئيس وزراء النرويج جنس ستولتنبيرغ لقيادة سيارة أجرة، متستراً ومرتدياً زي سائق أجرة ليتعرف على آراء شعبه.

في أوروغواي كان يُطلق على رئيس الدولة الأسبق خوسيه موخيكا لقب أفقر رئيس دولة في العالم، اذ كان

يمتلك سيارة "فولكس واغن خنفساء" زرقاء اللون طراز 1987، وتبرع بنحو 90 في المئة من راتبه لمساعدة الفقراء، وفي كوريا الجنوبية مكث عمدة سيؤول شهرا في كوخ ببلدة فقيرة حتى يشعر بمعاناة الفقير، كوخ ليس فيه مكيف هواء في ظل حرارة شديدة مع رطوبة، والأمثلة كثيرة.

هكذا يكون من يرأس السلطة قريباً من الناس، متواضعاً، يخفف عنهم معاناتهم.

ولقد جاء تعيين سمو الأمير، حفظه الله ورعاه، لسمو الشيخ صباح الخالد ولياً للعهد مفرحاً للجميع، وفاتحاً أبواب الأمل لمستقبل مشرق للكويت وللكويتيين، بإذن الله تعالى.

قال رئيس ومؤسس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات في الكويت عبدالعزيز العنجري عن ولي العهد الجديد: "لم يكن معروفاً بتطلعه للمناصب السياسية، أو الحظوة المجتمعية، ولا يبدي عداء لأحد، ويتميز بطول البال وسعة الصدر، وخلال فترة رئاسته مجلس الوزراء تحمل عداوات سياسية من أشخاص لم يمكّنهم من مصالحهم الآنية، وهو يعرف المنطقة جيداً، وإقليمياً تربطه علاقات وطيدة بقيادات المنطقة، لا سيما في الدول الشقيقة والصديقة ".

تلقى الشارع والنخب في الكويت نبأ تعيين الشيخ صباح الخالد الصباح وليا للعهد بارتياح كبير، ويكرس هذا القرار وفقا لمراقبين الاستقرار السياسي في الكويت، لافتين إلى أن أمير البلاد شكل مثلثاً سياسياً بخلفيات مختلفة، حيث يمتلك سمو الأميرخلفية أمنية، ورئيس الحكومة الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح خلفية اقتصادية، في حين يتميز ولي العهد بخلفيته الديبلوماسية، وهو ما يثير الارتياح لدى كل النخب، والأوساط السياسية والاقتصادية في البلاد.

وكان لافتاً الترحيب الذي صدر عن نواب سابقين ونشطاء سياسيين كانوا من المعارضين للشيخ صباح الخالد، وهو ما يعد وفق مراقبين مؤشراً على حسن الاختيار، وعلى نزاهة ولي العهد الجديد واتصافه بالحكمة والكفاءة.

آخر العمود: تزامن ما ذكرناه مع انطلاق الإصلاحات داخل البلاد يومياً، مع ضبط الأمن بشكل لم يعهد من قبل، ما يثير الإرتياح والفرحة بحاضر ومستقبل مضيء.

[email protected]