حديث الأفق
- استعانت بالدروس الخصوصية ليلاً ونهاراً للإنفاق على تعليمهم بمدارس دولية
- 20 عاماً لم يكلفوا أنفسهم عناء زيارتها ولما ماتت جاؤوا لتقاسم الميراث
- اقترحت زوجة ابني أن يرسلني إلى دار العجزة ونفذ رغبتها سريعاً وزجرني لأنزل من السيارة
ثمة الكثير من الأبناء الذين يعتقدون أنهم سينجون من عقاب السماء، لذلك يبقى الواحد منهم متخيلاً أنه لن يشرب من الكأس المر نفسها الذي سقاها لوالديه، وتبقى العبرة في كيفية تعلم الدروس، كي لا يقع أحدهم في فخ الأنانية، لهذا أعجبتني قصة عن امرأة نذرت نفسها لأولادها بعد وفاة زوجها، لكنهم أهملوها، واذ تروي القصة مسؤولة في دار عجزة بإحدى الدول العربية، وتقول:
"منذ شهر توفت نزيلة في الدار اسمها الحاجة عائشة عن عمر ناهز الثانية والثمانين عاما، وكانت جاءت الينا منذ 20 عاما، ولم أزل أتذكر هذا اليوم جيداً، فلقد أتى بها ابنها الذي عرفت لاحقا ان اسمه ياسر، وهو دكتور.
كان وجهها شاحباً، وتكاد الا تتحدث إلا قليلاً، وعندما بدأت أطلع على ملفها، واطرح عليها الاسئلة، اخذت بالبكاء والنحيب، قالت: "كنت أعمل مدرسة للغة الفرنسية، وتعرفت على زميلي، وبعدها صارحني بإعجابه بي، ورغبته في الزواج مني، وافقت فورا لأنني وجدت فيها ما كنت احلم به، وتم الزواج، ومرت السنون سريعا".
اضافت: "انجبت منه ثلاثة أبناء ياسمين وعبير وياسر، لم يمر على زواجي عشر سنوات حتى توفي زوجي إثر حادث، فتحملت مسؤولية اولادي، وأكملت رسالتي معهم، ولقد رفضت الزواج مرة أخرى رفضاً قاطعاً رغم ضغوط عائلتي، فقد كان عمري حينها لا يتعدى 35 سنة".
صمتت برهة من الوقت، وقالت: "كرست كل حياتي لهم، واستعنت بالدروس الخصوصية، ليلا ونهارا، للانفاق على تعليمهم في مدارس دولية، كما حرصت على أن يظهروا بمظهر جيد أمام المحيطين بنا، وكذلك زملائهم في المدرسة، والنادي.
كنت مشغولة طوال الوقت بين عملي ومذاكرة أولادي، وتمارينهم في النادي، مرت الأيام سريعا، وكبر الاولاد وتخرجوا في الجامعات، وبعدها سافرت الابنة الكبرى ياسمين لاستكمال دراستها في إنكلترا، وهناك تعرفت على زميل لها، وتزوجا، واستقرت في الغربة، اما عبير تعرفت على زميل لها في الجامعة وتزوجا وسافرت مع زوجها الى دولة عربية، أما الدكتور ياسر، فقد تزوج من طبيبة زميلته، وطلب مني أن يسكن في منزلي، فوراً وافقت، وساعدته على تجديد البيت بالكامل، وكنت أرى السعادة في عينيه".
تنهدت بحرقة، وأردفت: "فجأة بدأت زوجته تعاملني بجفوة، وكأنني خادمتها، لكن أمام ابني كانت تتعامل معي وكأنها هي خادمة لي، وبعد عام رزق الله ابني أطفالا وضاق المنزل بنا، ولم تكن الظروف تسمح بتوفير منزل أكبر، لأن زوجته تصرف مبالغ طائلة على ملابسها ومظهرها، وتغير سيارتها كل عام، ولا يتبقى إلا بعض المصاريف.
وفي يوم اقترحت زوجته أن يرسلني إلى دار العجزة، وفي يوم من الأيام قال لي ابني: أمي أحضري حقيبتك، أريد أن أذهب معك في نزهة.
فرحت فرحا شديدا، كما الاطفال، فأنا منذ زمن لم أتنزه، كان يأخذ زوجته وأولاده إلى المصيف ويتركني وحيدة في المنزل، وقال ضعي كل ما هو جميل من ملابسك، والأشياء الثمينة في الحقيبة.
وفي الصباح قال ياسر: هيا يا امي اسرعي، فقلت له هل نذهب أنا وأنت فقط يا بني، الن تحضر زوجتك وأولادك معنا؟
قال لا هذه نزهة لك وحدك، استقليت السيارة معه، بعد نصف ساعة توقفنا، وقلت له أبهذه السرعة وصلنا، فقال بحدة: انزلي يا أمي، بعدها رأيت أمامي لافتة مكتوب عليها "دار العجزة" تسمرت في مكاني، وزادت ضربات قلبي، فأنزلني رغماً عني وها أنا الآن أمامك يا سيدتي.
بذلك ختمت الحاجة عائشة حديثها، خلال العشرين عاما لم يأت أحد من أبنائها لزيارتها، إلا ياسمين التي اتت مرتين أو ثلاثة لرؤية والدتها.
قبل وفاة الحاجة عائشة اتصلت بأولادها، وشرحت لهم حالتها الصحية، ورغبتها في رؤيتهم هم وأحفادها، لكن للأسف لم يأت أحد منهم، لكن بعد وفاتها أتى الثلاثة معا لاتخاذ إجراءات إعلان الوراثة".
العبرة من ذلك ان يتعلم الابناء معنى الابوة، ولا يكونوا عاقين، فقد قال العزيز الحكيم فيه كتابه الكريم:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
نكشات
- المرأة تأخذ قلب الرجل اذا أحبها، وراتبه اذا تزوجها، وبيته اذا طلقها، ومعاش تقاعده اذا مات، وفي النهاية تقول: ما أخذنا منه غير وجع القلب.
- فيما مضى كانوا يسألون المجنون عن اتجاه القبلة، حتى يعرفوا إذا كان به مس من الجنون، أما اليوم فأول ما يدخلون الصالون، أوالديوانية يسألون عن "Password" الـ"WiFi".
- قول جميل هو: حيثما وجدت روحك السكينة أقم، فذلك موطنك، نعم جمعينا نبحث عن السكينة.
- المتصوف جلال الدين الرومي، صاحب الطريقة المولوية يقول: الروح التي فيها شيء من روحك تعرف كيف تخاطبك بلا كلمات.
- ثمة عبارة لفتت نظري، وهي لا تحملوا الأرض على رؤوسكم، وقد جعلها الله تحت أقدامكم، وتسعون في منكابها، وتأكلون من زرق الله.
- ثبت أن علاج المرض ليس بالأدوية إنما علاجه براحة البال، والقلب، والابتسامة الدائمة.