الأحد 08 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

الحاج الخرساني مع أبي غياث ولبابة (2)

Time
الأربعاء 19 يونيو 2024
View
10
محمد الفوزان
قَصص إسلامية

نكمل اليوم قصة الحاج الخرساني مع أبي غياث ولبابة، فقد أخذ الرجل الخرساني ينادي: يا أهل مكة، يا معاشر الحجاج، يا وفد الله؛ من وجد كيساً فيه ألف دينار، فليرده إليّ وله الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير، وقال: يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله قليل الزرع والضرع، فجد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مئة دينار فأبيت، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من مئة، يكون لهم فها ستر وصيانة، وكفاف وأمانة.

فقال له الخرساني: لا أفعل، وأحتسب مالي عند الله، وأشكوه إليه يوم نلقاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال ابن جرير الطبري: ثم افترق الناس وذهبوا، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه.

فقام إليه الشيخ الكبير فقال له: يا خرساني، قلت لك أول أمس امنح من وجده مئة دينار فأبيت، ثم عشرة فأبيت، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا، يشتري بنصفه إربة يطلبها، وبالنصف الأخر شاة يحلبها، فيسقى الناس ويكتسب، ويطعم أولاده ويحتسب.

قال الخرسانى: لا أفعل، لكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فجذبه الشيخ الكبير، وقال له: تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

فتبعه الخرساني إلى بيته لأخذ المال، قال ابن جرير: فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني، فقال لي: اجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم، وعرفت خبرنا بالأمس واليوم، سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول عن مالك: سمعت نافعا يقول: عن عبد الله بن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لعمر وعلي (رضي الله عنهما)، إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس، فاقبلاها ولا ترداها، فترداها على الله عز وجل، وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر.

ثم قال: يا لبابة، يا فلانة، يا فلانة، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها، وقعد وأقعدني، فصرنا عشرة، فحل الكيس وقال: أبسطوا حجوركم فبسطت حجري، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه، فمدوا أيديهم، وأقبل يعد دينارا دينارا، حتى إذا بلغ العاشر إليَّ، قال: ولك دينار، حتى فرغ من الكيس، وكان فيه ألف دينار، فأعطانى مئة دينار.

يقول ابن جرير الطبرى: فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمئة دينار، فلما أردت الخروج قال لي: يا فتى إنك لمبارك، وما رأيت هذا المال قط ولا أملته، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به، واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالي، ثم أخلعه حتى تصلي بناتي واحدة واحدة، ثم اخرج للعمل إلى ما بين الظهر والعصر، ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز، ثم أخلع ثيابي لبناتي فيصلين فيه الظهر والعصر، وهكذا في المغرب والعشاء الآخرة، وما كنا نتصور أن نرى هذه الدنانير، فنفعهن الله بما أخذن، ونفعني وإياك بما أخذنا، ورحم صاحب المال في قبره، وشكر الله له.

قال ابن جرير: فودعته، وأخذت مئة دينار، كتبت العلم بها سنتين، أتقوت بها، وأشتري منها الورق وأسافر وأعطي الأجرة، وبعد ستة عشر عاماً ذهبت إلى مكة، وسألت عن الشيخ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور، وماتت زوجته وأمها والأختان، ولم يبق إلا البنات، فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء، وذلك لمّا انتشر خبر صلاح والدهن في الآفاق، فكنت أنزل على أزواجهن، فيأنسن بي ويكرمنني حتى توفاهن الله، فبارك الله لهن فيما صرن إليه.

قال تعالى:" وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه".

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار