مختصر مفيد
قبل ألف سنة، كان ابن السقا فقيراً يخدم قضاة قرطبة في الأندلس، وكان ظاهره يخفي ما في باطنه من مساوئ أخلاقية، فارتقى أعلى المناصب في الدولة، وأصبح يشرف على بيت المال، فمد يده إلى مال الدولة، فاُغتيل، وكانت هذه نهايته.
عندئذٍ اجتمع القضاة، وتأكد لهم أن ابن السقا كان فقيراً، لكن بعد وفاته خلف لأهله تركة طائلة، وراعهم ان التركة جُمعت من مال حرام، ونُهبت من أموال الشعب، فأجمع الفقهاء على بطلان وصيته، وأن تؤول جميع أمواله إلى بيت المال، أي إلى وزارة المالية في وقتنا الحاضر.
هكذا سبقت الدولة الإسلامية في الأندلس دول العالم بإقرار مبدأ وقانون "من أين لك هذا"، في كشف الذمة المالية ومحاسبة المُفسد.
ومن بين القصص الرائعة في القيادة، قصة كويتي، قال فيها "أتذكر رئيس وزراء إيرلندا حين دعاني الى عرس ابنته في إحدى قرى ايرلندا فذهبت معه، وعندما رجعنا معاً في الطريق صادفنا رجال الشرطة، فأمسكوا به لأنه تجاوز الإشارة الحمراء، ومنعوه من قيادة السيارة، وهو رئيس وزراء، فتقدمت لهم وأخبرتهم أن لدي رخصة قيادة، وفعلاً قدت السيارة بدلاً منه.
في اليوم التالي دخلنا إلى قاضي المرور، الذي حكم عليه بالسجن ستة أشهر، والغرامة، وتم سحب رخصة القيادة منه سنة كاملة.
اندهشت من قرار القاضي بسجن رئيس الحكومة وتغريمه، وبالفعل تمت إحالته الى إدارة السجون الى جانب القصر الجمهوري، مع ان باستطاعته أن يُجند كل طريقة حتى يخرج، فتعجبت وسألته: كيف تستطيع وأنت داخل السجن إدارة دولة، فقد عرفت من ضابط السجن أنك تأتي الى السجن من المغرب وحتى الصباح، ثم تزاول عملك في صباح اليوم التالي، فإذا انتهى دوامك تعود مرة ثانية إلى السجن، وسألته من أين لكم هذا القانون؟
أجاب: منكم انتم العرب، من "نهج البلاغة" لعلي ابن أبي طالب، وبتتبع هذا القانون وجدناه في القانون الفرنسي.
ومن بين القصص الرائعة في القيادة كذلك ما فعله رئيس تنزانيا جون ماغوفولي لمصلحة بلده؟
بعد توليه الرئاسة سنة 2015، أقال مسؤولين بارزين عدة، من بينهم رئيس مكافحة الفساد، وطرد عشرة آلاف موظف بتهمة التزوير، وقلص عدد الوزراء من 30 الى 19 وزيراً، وفرض على جميع الوزراء الكشف على أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدد بإقالة أي وزير لا يكشف عن حسابه، أو لايوقع على تعهد بالنزاهة.
رأى ان واجب المسؤولين الاهتمام بالمشكلات الداخلية للبلاد، وفي زيارة مفاجئة لأحد المستشفيات، وجد المرضى يفترشون الأرض، والأجهزة الطبية متعطلة، فعزل جميع مسؤوليه، وأمهل الإدارة الجديدة أسبوعين، فأصلحت كل شيء خلال ثلاثة أيام فقط.
كانت مدينة نيويورك تعج بالجريمة والفساد والعاطلين قبل 90 عاماً، ثم تولى لاغوارديا منصب العمدة فيها، وكان رجلاً أميناً مخلصاً في عمله، استعان بخبرات ومواهب ذات كفاءة، واستطاع بإجراءاته الإصلاحية وبمساعدة الرئيس فرانكلين روزفلت ان يهزم الفساد في أميركا، إذ أصلح أحوال المزارعين الفقراء والعمال العاطلين فنجح بإنعاش مدينة نيويورك اقتصادياً، وأمر إدارة الإسكان أن تبنى بتكلفة مخفضة، وأقام ملاعب عامة وحدائق، ومطارات، وأعاد تنظيم جهاز الشرطة.
وشُيدت الطرق السريعة والجسور والأنفاق فأصبح شكل المدينة أفضل، وبفضله ساد الهدوء شوارع نيويورك بعد ان كانت تعج بالجريمة، فاستطاع الناس المشي في الطرقات آمنين، فقد اختفت الجريمة بشتى أشكالها.
في الأمثلة السابقة يظهر الضمير الحي والقدوة الحسنة، سواء لدى رئيس الدولة أو المسؤول الحكومي، وهو ما يتمناه شعب كل بلد.
[email protected]