لا بد من الإنصاف في مطالعة الواقع الحالي الذي تعيشه الكويت، وكيف تغيرت الأمور إلى الأفضل، لكنها تحتاج إلى المزيد كي تعبر من تراكمات المرحلة الماضية التي استمرت نحو أربعين عاماً، وتنطلق من جديد.
فاذا كانت هناك إرادة وقرار فإن الشعوب تبارك ذلك، وتسعد بالإنجازات، التي مهما كانت في البداية بسيطة، إلا أنها تتراكم مع الوقت لتتسع كي تصبح كبيرة، يستفيد منها الوطن والمواطن، خصوصاً بعد سنوات طويلة من التراجع والقيل والقال، ومحاولات شتى لتقويض الدستور وفق نظريات مانعة لأي تقدم في البلاد، وتصويرها كأنه قرآن منزل لا يمس، فيما النواب والمستفيدون من ثغراته عملوا على تكريس محاذير ليست موجودة إلا في مخيلتهم أو تخدم مصالحهم الشخصية أو الحزبية، ولهذا سعوا عبر ذلك إلى فرض قوانين تحد من صلاحيات الحاكم.
ففي العام 2013 حين تخلصت مصر من حكم "الإخوان المسلمين"، طالب بعض النواب المؤيدين لتلك الجماعة بفرض قانون يمنع الأمير من التبرع بأكثر من خمسة ملايين دولار، رداً على اتفاق دول "مجلس التعاون" بمساعدتها للخروج من أزمتها، علماً أن تلك المبالغ لم تكن هبات، إنما قروض.
وفي عام آخر حين بدأت الصحافة تضيء على الممارسات المشينة للنواب، واستغلالهم المهمة الموكلة لهم من الشعب، لمصالحهم الشخصية، اقترحوا قانوناً يمنع انتقاد مجلس الأمة والنواب، والمطالبة بتعديل الدستور، وسجن من يقدم على ذلك خمس سنوات، أي أنهم كانوا يسعون الى ديكتاتورية نيابية لم تشهدها دولة في العالم، وهذا يعني أنهم أرادوا كف يد بيت الحكم، والاستحواذ على صلاحيات الأمير والسلطة التنفيذية.
منذ ذلك اليوم كانت هناك مقولة تتردد في الديوانيات، والصحافة "أن في الكويت 51 أميراً، واحد في قصر السيف، والباقي في مجلس الأمة"، وكان هذا محفزاً لفوضى عارمة، وفساد أعظم، وذلك كاد يهدد مصير البلاد.
لهذا بدأت الناس تطالب القيادة، ومن بيدهم الحل، باتخاذ قرارات حاسمة، فيما كان صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد قد حذر مرات عدة مجلسي الأمة والوزراء من السير في الطريق الخطأ وعدم استغلال النفوذ لمآرب شخصية، لكنهم استمروا على ذلك المنوال.
هذا ما دفع الى آخر العلاج، وهو الكي، إنما بحكمة صاحب السمو الأمير،عالج مصدر الخلل، وهو وقف العمل بسبع مواد من الدستور، المختصة بمجلس الأمة، وهو ما رحبت به الناس التي اكتوت بنار ممارسات نيابية خارجة عن كل منطق.
في المقابل، ان هذه الإجراءات لم تحد من حرية التعبير والرأي، فالصحافة لا تزال تمارس دورها بكشف أي خلل في مرافق الدولة، بل صارت أكثر حرية في هذا الأمر، ووسائل التواصل الاجتماعي لم تتعرض لأي مضايقات، إلا في ما يتعلق بالمس بمسند الإمارة، وصلاحيات صاحب السمو التي أساساً يعاقب عليها الدستور والقانون.
نعم، إن الإجراءات التي اتخذها سموه أوقفت الزحف على صلاحيات السلطات الأخرى، ومنعت هيمنة مكون على آخر، اذ صحيح ليس في الكويت أحزاب، إنما ما مارسه النواب أشد فتكاً بالنسيج الوطني من الفوضى الحزبية، فهم سعروا نيران القبائلية والطائفية، التي بدأت ترفع راياتها فوق راية الكويت، وهذا لمن لا يدركه يعني تهديد مصير الوطن.
اليوم، بدأنا نشهد ثمار الإجراءات الأميرية الشجاعة والحازمة، فبدأت تنتظم المؤسسات في عملها كي تعود الكويت فعلاً درة الخليج بل جوهرة تاج العالم العربي.