سيدي صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد أنت لست أميراً فقط، بل أنت والد الكويت، وشعبها الذي مازال يتذكر دموعكم التي ذرفت في مجلس الأمة يوم حفل افتتاح دور انعقاده في 18 أكتوبر عام 2022، وفي النطق السامي، آنذاك، حين وضعتم الأسس التي يجب أن تقوم عليها العلاقة بين مجلسي الأمة والوزراء، لكنهم للأسف لم يتعظوا.
إن هذه الدموع دلت على مدى حرقتكم على الكويت، وما حصل فيها في السنوات الأخيرة، وهذا التراجع المخيف الذي تسببت به ممارسات استمرت أكثر من ثلاثة عقود، حين غلب الضجيج والجعجعة على كل شيء، فيما دارت أحجار المطاحن على الكلام، ولم ير الكويتيون طحيناً يشبعهم.
يومها يا سيدي، راهن الكثير من الناس أن الخلاص من هذا الوضع مجرد أحلام لا يمكن تحقيقها، لأن هناك دولة عميقة امتدت جذورها في كل مؤسسات الدولة، ولها أذرعها، من الذين اتخذوا صفة مستشارين في أعلى مؤسسات الهرم، وهناك فاسدون يحركون الجميع، وأصحاب مصالح يكيفون القوانين وفق أهدافهم، وحائكو دسائس يتقنون فن الخداع في توجيه التفسير الدستوري والقانوني وفق أهوائهم، فكل هؤلاء عملوا على وضع قوانين توافق مصالحهم، لذا كان من الصعب الخروج من المأزق.
فحين تفصل المشاريع على مقاسهم، ويتدخلون في المناقصات، ويشوهون القضاء من خلال التدخل فيه، ويوظفون ديوان المحاسبة أداة لهم، ويعبثون بالأمن كي يصبح مطية لهم، فمن الصعب على أي حاكم أن يغير هذا الوضع، خصوصاً أنهم أشاعوا بين الناس أن الكويت دولة دستور وقانون، والقيادة محكومة بهذا الأمر، بينما هم كانوا يعملون على هدم دولة الدستور.
كل هؤلاء راهنوا على أن أي قائد سيدخل حقل ألغام إذا أراد الإصلاح، والنيل من مكاسبهم، لكن تشاء الأقدار أن يضعكم الله في مواجهة كل هذا، ويرى الكويتيون، الذين ليس لهم أي مصالح دنيئة، المؤمنون أن الكويت وطنهم النهائي، البعيدون عن الفساد والمفاسد، أن دموعكم لم تذهب سدى، حين أمسكتم بيدكم المباركة مبضع الجراح الحكيم، وأجريتم عملية استئصال لمصدر الورم عبر تعليقكم سبع مواد من الدستور التي لا بد منها كي تستقيم الدولة، والمؤسسات، فبهذه الحكمة بدأ خلاص الكويت من مرضها.
جميع من التقى سموكم كان يسمع منكم أنكم ستطبقون العدالة على الجميع، حتى على أنفسكم، وعلى الكبار قبل الصغار، وربما هناك من أدهشهم ذلك، لأنهم لم يكونوا يعرفون من هو الشيخ مشعل الأحمد، الذي إذا قال فعل، لكن دهشتهم زالت حينما بدأت الإجراءات المباركة لخير الكويت، خصوصاً التعيينات التي لم تضع فيها أحد أبنائك في منصب ولي العهد، بل اخترتم الأفضل للكويت ومستقبلها، كذلك في رئاسة مجلس الوزراء، أو أي منصب كبير.
لقد بدأت الكويت تشهد ثمار هذه الإجراءات، فاليوم ليس هناك من يحلبون الدولة، ويمصون دمها كما كان يحصل في الماضي، أولئك عملوا بكل قوتهم على تخلفها، كي يطيب لهم الاستمرار في تكبيل الناس عبر قوانين لا تخدم إلا مصالحهم فقط.
هؤلاء اليوم يتساءلون: ماذا بعد؟ إذ يراهنون على أن الجعبة قد نفدت سهامها، وبالتالي يسنون أسنانهم وسكاكينهم، لكن رهانهم خسر قبل أن يبدأ، لذا نقول لهم: إن أموراً كثيرة شهدتها وستشهدها الكويت، و"الخير بقبال"، فالإعلان عن المشاريع الكبرى التي ليس فيها أي فساد بانت ملامحها، وهي ستنفذ من خلال اتفاق الحكومة مع الدول، أو الشركات الكبرى وليس فيها وكيل محلي يحلبها و"يلهط" أضعاف قيمتها، وتطبيق القانون يسري على الجميع، أما محاربة الفساد فقد فتحت ملفاته على الكبير قبل الصغير، وبدأت الأحكام تصدر.
أيضا اليوم ليس هناك ما يحمي مطلقي الشائعات، ولا من يتجرأ على المس بمسند الإمارة والتجريح بالحاكم الصالح، بعد أن وصلت السكين في هذا الشأن إلى محاولة كسر عظم هيبة بيت الحكم، حتى من بعض المغامرين داخله، حين تصور الناس أن كل صاحب نفوذ هو الحاكم، فكل هذا انتهى اليوم.
فها هي أبواب مكاتب الوزراء تفتح للناس، بل أبواب كبار المسؤولين، ولقد أيقن الكويتيون أنه حين تعلن الحكومة أن في القريب العاجل ستكون البطالة صفراً، فهم على ثقة أن توجيهاتكم لن يتقاعس أي مسؤول عن تنفيذها، لا سيما أنكم تعهدتم مراقبة كل المسؤولين، فالكويتيون في كنفكم، الذين يثقون أنه سينصفهم.
إن كل هذه الإنجازات سيكتبها التاريخ، فحين قلتم سموكم: تمنيت لو كنت أصغر عمراً كي أعمل بجهد أكبر من الكويت، فإن الكويتيين على قناعة أن الأعمار ليست بعدد السنين، إنما بالإنجازات، فبارك الله بعمركم، وبهذا الجهد الجبار، فاليوم بات الشعب الأمين على العهد يشعر أنه في دولة محصنة، وأن ولادة الدولة الكويتية الثانية بدأت، وأن دموعكم المباركة ذخيرة يستقي منها شعبكم القوة والتصميم على البناء الأفضل، وتحقيق الريادة، فقد قلنا إن "الخير بقبال"، وهذا عهدنا بسموكم.