الأحد 08 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

إبراهيم العطار ومشروع المقاومة في الأندلس

Time
الأربعاء 03 يوليو 2024
View
70
محمد الفوزان
قصص إسلامية

قاد جيشاً في محاولة منه للدفاع عن آخر معاقل المسلمين في الأندلس،

وكان شعاره "قتال حتى الموت، إما النصر وإما الشهادة، وقتلاهم في النار وقتلانا في الجنة".

ففي وسط مدينة لوشا بمقاطعة غرناطة الإسبانية، يقف نصبٌ تذكاري ليذكّر الإسبان وزائري المدينة بشجاعة ومقاومة واحدٍ من أبرز قادة المسلمين، هو إبراهيم علي العطار، الذي وصفته الوثائق الإسبانية بـ"القائد الأسطوري"، وذلك بعد أن قاد جيش غرناطة لمواجهة القشتاليين؛ في محاولة منه للذود عن آخر معاقل المسلمين، قبل أن يسقط شهيداً في معركة لوسينا سنة 1483.

لا يعرف بالضبط تاريخ ميلاده، لكن بعض المؤرخين يرجحون ميلاده سنة 1403، إذ عاش 80 سنة،ولم يعرف عن حياته المبكرة سوى القليل، إذ إنه اشتغل في التجارة منذ وقتٍ مبكر، وهو الأمر الذي ساعده على كسب ثروة كبيرة من خلال تجارة التوابل.

كانّ الحسّ الإسلامي لديه كبيراً، ففزع من حال إمارة غرناطة وهي تعيش سنواتها الأخيرة، ومن مجازر القشتاليين ضد المسلمين؛ الأمر الذي دفعه إلى الالتحاق بجيش غرناطة، وسرعان ما صار قائداً له.

في تلك اللحظات، ربطت علاقة قوية بين إبراهيم العطار والأمير أبي عبد الله الصغير، الذي عيّنه والياً على لوشا، كما سار معه في العديد من الغزوات والمعارك، وعندما صار أبوعبد الله حاكماً توطدت العلاقة إلى المصاهرة، وذلك بعد أن طلب الأمير أبو عبد الله الزواج من ابنة إبراهيم مريمة بنت العطار.

لم يكن جهاد العطار ضد القشتاليين بالسيف فقط، فقد وهب كلّ ثروته في سبيل حماية مملكة غرناطة من السقوط، فرغم كل الثروة التي امتلكها، إلّا أنه في لحظة تزويج ابنته لم يجد ما يُجهّزها به يوم عرسها.

في هذا الصدد يذكر المؤرخ الإسباني لا فوينتي ألقنطرة "إنّ عليَّ العطار لم يجد في عرس ابنته مُريمة ما يجهزها به سوى ملابس وجواهر مستعارة".

في يوليو عام 1482، وبينما كانت غرناطة تعيش على وقع الانقسام والحرب بين أبي عبد الله الصغير وأبيه أبو الحسن بن سعد حول الحكم، هاجم فرناندو الخامس مدينة لوشا، التي كان العطار والياً عليها، وكانت تعدّ آخر معاقل المسيحيين في غرناطة.

لم يتوانَ العطار عن الدفاع عن المدينة بكلّ بسالة وشجاعة، فوقف في وجه جيوش القشتاليين بحامية قوامها ثلاثة آلاف مقاتل فقط.

كان جيش الكاثوليك مكوناً من فرسان "قلعة رباح"، وهي أول ميليشيا عسكرية تتكوّن في مملكة قشتالة، إضافة إلى عدد من الفرسان المعروفين أمثال بيدرو فرنانديز ومعه خمسة آلاف جندي و10 آلاف من مشاة، مع مدفعية من أجل الحصار وآلاف العمال لحفر الخنادق وبناء الجدران.

بدأ القشتاليون بقيادة بيدرو فرنانديز في بناء معسكراتهم على ضفاف نهر غرناطة في منطقة مليئة بالمنحدرات والبساتين والوديان، مما شكّل تحدياً أمامهم في اختيار أماكن الجنود والمناورة.

وقبل أن يتمكن القشتاليون من تحديد أماكنهم، أغار عليهم العطار بشكل مفاجئ فاستطاع هزيمتهم وأجبرهم على التراجع، بعد أن فض صفوفهم، واستولى على أسلحتهم، وأوقع بينهم عدداً كبيراً من القتلى من بينهم قادة في الجيش.

وبعد تلك الملحمة، توجّه من سياسة الدفاع إلى الهجوم، فقاد جيشه إلى فتح الحدود القشتالية الشمالية، قد استطاع الاستيلاء على قلعة "كاركابوي"، بينما تراجع القشتاليون لحماية حدودهم.

استمرّ العطار في إرهاب جيوش القشتاليين وقائدهم بيدرو فيرنانديز، وفي نوفمبر 1482 نجح في إلقاء القبض على قائد القشتاليين بيدرو فيرناندز، لكنّ هذا الأخير تمكنّ من النجاة وأسر العطار واقتياده إلى مناطق القشتاليين، لكنه نجا من الأسر بحكم حنكته، ودهائه العسكري.

وبعودته إلى مدينة لوشا، بدأ تجهيز جيشه لغزو مدينة لوسينا، الواقعة شمال بلدة لوشا، إذ نجح في جمع أكثر من سبعة آلاف مقاتل للمهمة.

وفي 20 أبريل 1483، توجه العطار برفقة جيشه لغزو لوسينا، وكان في انتظاره ثلاثة جيوشٍ مسيحية متحالفة وكبيرة ونظراً لفارق القوة والعدد بين جيشه وجيش لوسينا وحلفائها، فاضطر المسلمون إلى الانسحاب إلى ضواحي المدينة، لكن المواجهة كانت حتمية.

فبينما كان جيش العطار يتمّ انسحابه تعرّض إلى هجومٍ مفاجئ من القشتاليين، فقتل نفرٌ كبيرٌ من المسلمين كان أبرزهم القائد العطار الذي قتل وهو يحاول الدفاع عن أميره بسيفه الذي استولى عليه الجيش القشتالي، بينما حاول أبو عبد الله الفرار، لكن حصانه علق ليسقط أسيراً لدى القشتاليين، وذلك وفقاً لكتاب "الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال".

وتكريماً لبطولاته وشجاعته، احتفظ القشتاليون بسيف العطار الذي أصبح رمزاً للشجاعة والمقاومة، كما أنهم وضعوا للعطار نصباً في مدينته لوشا، ناهيك عن تسمية مؤسسات وشوارع عدة باسمه، وذلك بعد أن وصفه المؤرخون الإسبان بالقائد الأسطوري.

أمّا مملكة غرناطة، فبوفاة مقاتلها الأسطوري إبراهيم علي العطار دخلت فعلياً مرحلة الانهيار، اذ بعد 10 سنوات من وفاته سقطت في يد القشتاليين سنة 1492، وبذلك طويت آخر صفحة من حكم المسلمين لبلاد الأندلس.

[email protected]

آخر الأخبار