أتابع الشأن العام الكويتي منذ العام 1962، وعلى اطلاع بكل ما فيه، ولهذا أسمح لنفسي وأجزم أنني لم أسمع طوال العهود الماضية، من المسؤولين، على اختلاف مستوياتهم، ما تفضل به صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد في نطقه السامي حين أقسم مجلس الوزراء الحالي أمام سموه، وقوله للوزراء: " سأحاسب من يقصر في أداء عمله، فالشعب ينشد إنجازات فعلية، ونريد عطاءً لا محدوداً وسأتابع تنفيذ أعمالكم، وعليكم أن تنالوا ثقته، وتأييده، فثقة الشعب غالية، لا تقدر بأثمان".
لا شك أن صاحب السمو، ووفقاً للمعروف عنه، أنه إذا قال نفذ، فسموه يرى أن الكويت اليوم تحتاج الكثير من العمل والجهد المضاعف، خصوصاً بعدما تركت البلاد طوال نحو 61 عاماً، إما للنواب، وإما للوزراء، ليمارسوا كل أهوائهم ونزواتهم على حساب الشعب والدولة.
لهذا لم يكن التغيير، أكان في 46 مجلس وزراء، أو نحو 20 مجلس أمة، وما يزيد عن 470 وزيراً، ومئات النواب غيرهم، يعول عليه، لأن الأساس بني دائماً على صفقة، بين الكتل النيابية القوية والمتنفذين، وبعض أبناء بيت الحكم، لذا بدلاً من أن تتطور الكويت، في ظل الديمقراطية التي بدلا من أن تكون ركيزة لدولة قوية فاعلة، لديها القدرة على الاستفادة من مناخات الحرية أكان في الرأي والتعبير، أو الاقتصاد والمجتمع، فقد تحولت أشبه بكانتونات، فيها لكل طائفة وقبيلة وعائلة سلطتها الموازية لسلطة الدولة، وأصبحت شبه "سوق حرامية" تعرض فيها كل المساوئ.
أيضا، لا بد من وضع الأمور في نصابها الصحيح، فقد قال العزيز الحكيم: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ"، لذا من الصحيح كانت هناك بعض المحاولات الإصلاحية، إلا أنها اقتصرت على الشكليات، ولم تتطور كي تغير في الجوهر، لهذا شهدنا الأزمات المتتالية طوال العقود الثلاثة الماضية، التي كشفت ثمة عيوبا في الدستور، عبر عنها صاحب السمو الأمير في مناسبات عدة، ومنها في نطقه السامي في افتتاح مجلس الأمة 18 اكتوبر 2022، حين دمعت عيناه عند تلاوته الآية الكريمة: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب".
كل هذا لأن الحاكم الفعلي في البلاد كان مجلس الأمة، وليست الحكومة أو السلطات الأخرى، ففيه أقرت قوانين كثيرة أدت الى إغلاق البلاد، ومحاولة تغيير طبيعة المجتمع، وتقويض اقتصادها، فيما نامت في الأدراج أخرى تتطلبها التنمية المستدامة، أكان في استخدام بعض الأرصدة الموظفة في الخارج، وهي عالية المخاطر، في البنية التحتية، والمشاريع الإنمائية، او غيرها من حُسن توظيف الصناديق السيادية بما يخدم الكويت وشعبها.
ففي الشأن المالي ثمة الكثير من القوانين التي على مجلس الوزراء نفض الغبار عنها، وإقرارها، وتعديل ما يجب تعديله، للانطلاق نحو التنمية، من دون إبطاء، فما قطعه صاحب السمو على نفسه من وعد، وأساسه استعادة الكويت ريادتها، وقول سموه إنه سيحاسب كل مقصر، لا يجب أن يحيد عن بال الوزراء.
لأن علينا الاعتراف، أن الجميع يدرك ما هي مقبلة عليه دول "مجلس التعاون" من ازدهار كبير نتيجة استقرارها، فهي حالياً، وكذلك مع اشتداد الأزمات العالمية، ستكون ملجأ للخبراء والأطباء والمهندسين والمستثمرين، وكذلك ستكون واحة طبية، وتعليمية وترفيهية، ما يعني أن الكويت عليها الإسراع في تطوير كل مرافقها، حتى لا تكون عاجزة أمام تجديد شباب تلك الدول.
ولهذا فإن رؤية صاحب السمو للمرحلة المقبلة، هي الأساس الواجب على مجلس الوزراء العمل في سبيل تحقيقها، فصاحب السمو يراقب، وسيحاسبهم، وسموه يتابع يومياً عملهم، وعليهم أن يتجنبوا غضب الحليم.
لهذا كله لا بد من التأكيد أن الكويت بحاجة إلى ثلاثين وزيراً حتى تحقق أحلام ولي أمرها، وإبعاد شبح التداخل في الصلاحيات.