اليوم تغير الوضع عما كان عليه في الماضي، ولم تعد الصفقات السياسية والمصالح النيابية تتحكم بمؤسسات الدولة، ولهذا إذا أردنا الإصلاح فعلينا الاعتراف بالعيوب كي نعمل على معالجتها.
من هذه العيوب الانفلاش الكبير في البعثات الديبلوماسية الكويتية في العالم، فيما العديد منها ليس له أي وظيفة غير التنفيع المعهود منذ قيام دولة المؤسسات قبل 62 عاماً.
نفهم أن دولة عظمى لها مصالح متعددة تكون لها سفارات وقنصليات في دول العالم كافة، لكن دولة صغيرة مثل الكويت لماذا يكون لديها نحو 129 سفارة وقنصلية وبعثة في الخارج، فيما كثير منها وظيفته بروتوكولية لا أكثر، أو لماذا تكون هناك بعثات مقيمة بينما هناك سفارات في تلك الدولة الموجودة فيها تلك البعثة؟
في كثير من الدول هناك ما يسمى "قنصل فخري"، يؤدي بعض المهمات في الدولة المعتمد فيها، ولا تكون هناك حاجة لسفارة، ومبنى لها، وكذلك منزل للسفير، وإيجارات لمنازل القناصل والموظفين فيها، فبعض هؤلاء السفراء الذين لا يؤدون أي عمل طوال الوقت، لديهم طاقم ديبلوماسي مساعد، ولهم أيضا طاقم خدمة في منازلهم، وكل هؤلاء رواتبهم ومصروفاتهم من المال العام، فيما الفائدة المرجوة من كل ذلك؟
تصل موازنة وزارة الخارجية إلى نحو 900 مليون دولار، فهي قبل العام الماضي كانت 235,357,000 دينار كويتي، فيما لو كان هناك ترشيد في هذه الممثليات والسفارات، كأن يكون هناك سفير غير مقيم لخمس دول، كما هي العادة في معظم الدول التي تحرص على حُسن التمثيل من دون إرهاق ميزانيتها، فإن ذلك يوفر الكثير على الدولة.
صحيح، أن الهدر ليس في السفارات والبعثات فقط، إنما في وزارات أخرى، لديها الكثير من أبواب الإنفاق غير المسؤول، لكن حين يكون هناك حديث مسؤول، بوزن وزير المالية، عن عجز مستمر منذ سنوات، وآخر متوقع في السنوات المقبلة، هنا لا بد من النظر في أبواب الإنفاق والهدر، فلو كانت الدولة وفرت نصف موازنة وزارة الخارجية، أو الإعلام، أو "الأوقاف" وغيرها من وزارات "البطالة المقنعة"، لكان اليوم لديها مشروع "ميترو" يوفر الكثير على الناس، كما هي الحال في الإمارات.
أيضا، عندما تعيد الخارجية إلى الديوان 31 سفيراً دفعة واحدة، فماذا تفعل بهم، هل تخزنهم، ويمضون الوقت في شرب الشاي والقهوة، ولا تستفيد منهم الدولة؟
إذا كانت حمى محاصصة التعيينات تحكمت بمفاصل المؤسسات حين كان النواب والمتنفذون يسعون إلى الحصول على منافع من خلال شراء الولاءات على حساب المال العام، فاليوم، وبهذه المرحلة الجديدة من الكويت الساعية إلى مستقبل مشرق، بفضل جهد صاحب السمو الأمير، لا بد من إعادة النظر بكل تلك المؤسسات، لا سيما تلك المكلفة كثيراً من المال ولا فائدة منها.
لهذا حين نسلط الضوء على مكامن الخلل في أي مؤسسة ووزارة، لأننا ندرك أهمية ترشيد الإنفاق من جهة، وتخصيص الفائض منه لمشاريع إنمائية، إلا إذا كانت سطوة النواب السابقين والمتنفذين لا تزال كبيرة على بعض الوزارات، ومنها الخارجية التي تحتاج الى هيكلة من جديد، بعد الرقم المهول لعدد السفراء السابقين والحاليين الذين تتحمل المالية العامة تكاليفهم.
أصل النجاح هو الإدارة، وخلفها عناصر وكفاءات بشرية مميزة، تدرك أهمية الإدارة السليمة والتخطيط الجيد والجودة والاستفادة من عنصر الوقت.