في الواقع أن جيب المواطن يُمس يومياً، ومنذ عقود، إلا أن الشعار الذي رفع قديماً، ويتجدد مع كل مناسبة، هو أن هذا الجيب لا يمس، مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع.
وإذا كان الإرجاف والمتاجرة السياسية من النواب سابقاً، والأنانيين والحساد، والمتنفذين حاليا الذين يسعون إلى تغليب مصالحهم على كل الأمور، جعل هذا الأمر معضلة، تترفع أسهمه كلما حانت فرصة للتكسب السياسي، أكان من الوزراء سابقاً وحالياً، أو من النواب في الماضي، فإن ذلك محض خيال، ولا يزال.
جيب المواطن يُمس في الدعم غير المبرر الذي يجعل صاحب عمارات عدة لا يدفع المتوجب عليه لقاء خدمات الكهرباء والماء، فيما يتكلف المال العام العبء، ما يعني خسارة المواطن صاحب الدخل المتدني فرصة تحسين راتبه.
وكل الكلام في هذا الأمر لتعزيز أسهم المزايدين، لكن لم يسأل أحد: لماذا يُحرم مواطن من التمتع بحياة كريمة، ومن هو المواطن الذي يُمنع مس جيبه؟ هل هو الثري الذي يستثمر أمواله في الخارج التي حصل عليها من مناقصات رفع سعرها عبر المحاباة من مسؤولين فاسدين، بينما يحرم بلده من أي مشاريع إنتاجية، أو ذلك الذي كدّس أمواله من تجارة العقارات، وامتلك مساحات شاسعة من الأراضي والبيوت، ورفع الأسعار إلى ما لا طاقة به للمواطن على تحمُّله، أو ذلك التاجر الجشع، أو صاحب ثلاثين أو أربعين وكالة، وغيرهم... وغيرهم الكثير ممن يستثمرون أوجاع الناس للمزيد من الثروة؟
لذا، حين تكون المواد الغذائية والخدمات مدعومة، يزيد البطر والطمع، وتصبح المطالبة بالمزيد نهجاً في المجتمع، فيما ليست هناك رؤية طويلة المدى تخدم مستقبل الأجيال، المهددة اليوم وفي الغد القريب من فقدان أبسط المقومات الأساسية، لأن نعي "الاحتياطي العام" يعني المزيد من التقشف، وبالتالي لن تكون هناك مشاريع إنتاجية يعول عليها الشباب مستقبلاً.
لذا، نقولها صراحة: نعم ليمس جيب المواطن والموصوف آنفاً، وليس أصحاب الرواتب المتدنية. خذوا من ذاك وأعطوا هذا، كما هي الحال في كل دول العالم التي تسعى إلى المواءمة بين دخل الفرد والخدمات التي يحصل عليها.
ففي الكويت المتقاعدون يعانون، وكذلك أصحاب الرواتب المحدودة، وغالبية هؤلاء، ومعهم شريحة لا بأس بها من المواطنين، واقعة تحت سيف القروض التي تلتهم غالبية دخلهم، فهل يُعقل أن ربع المواطنين مقترضون، والفوائد تلتهم نصف رواتبهم، فيما هناك 120 ألفاً عليهم أحكام ومنع سفر و"ضبط وإحضار"، وكثير منهم في السجون؟
هذه الحقيقة التي لم ترها الحكومات المتعاقبة، إما لأنها كانت ترفض إنصاف هؤلاء تماشياً مع الحجة التي سوقها مستفيدون من ظلم الناس، وهي أن "العدالة الاجتماعية لا تقبل بذلك".
من هنا نسأل: عندما يكون هذا العدد الكبير من المواطنين في أزمة، فإن الدستور حل المشكلة في المادة 25 التي نصت على: "تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة"، وبالمثل نفترض، إذا تعرضت منطقة ما لزلزال أو كارثة طبيعية، هل تمتنع الدولة عن التكفل بالأضرار لأن منطقة أخرى لم تتعرض للكارثة، فهل هكذا تكون العدالة الاجتماعية التي يتاجر بها البعض؟
أيضاً السؤال: هل هناك مواطن اقترض إلا لحاجة، وهل من الإنسانية أن تخدم الأموال الكويتية البشرية جمعاء، ولا تسهم في رفع الظلم عن 25 في المئة من الكويتيين، أليس في مقدور وزير الخارجية الذي يقرض مئة دولة أن يزيل "صندوقه التنموي" الهم عن هؤلاء المواطنين؟
[email protected]