من المعروف أن ثمة جرائم لا تسقط بالتقادم، ومنها تلك الواقعة على الأموال العامة، وعلى هذا الأساس يمكن للحكومة تفعيل القانون في ما يتعلق بهذه الجرائم، لأنها مصدر فساد عظيم يتصل مباشرة بمصير الدولة والشعب.
هذه القاعدة موجودة في غالبية دول العالم، ومنها بعض الدول الخليجية، التي حين اكتشف فيها فساد، واستيلاء على المال العام، اتخذ قادتها، وبإشرافهم مباشرة، إجراءات رادعة، أدت إلى استرداد تلك الأموال، وزج السارقين في السجون، حتى لو كانوا من علية القوم، لأن الفساد سرطان يؤدي بالدولة إلى التهلكة.
بعضها كانت تنشر بيانات بشأن التطورات واسترداد تلك الأموال، وبعضها لم تكتف بذلك، بل إنها صادرت أراضي حصل عليها الفاسدون من خلال التربح غير المشروع من المشاريع والمناقصات.
في الكويت، ومنذ ما بعد تحريرها من الغزو العراقي الغاشم، سادت موضة النهب الممنهج من المال العام، وفق إجراءات قانونية، أكان في مشاريع كبرى أو بالتدليس على المؤسسات، وثمة من أثرى بين ليلة وضحاها، وهرّب أمواله إلى الخارج، وكل هذا كان يجري تحت أعين المؤسسات والأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، لأن هناك قاعدة فاسدة وهي "حاميها حراميها"، و"شيلني وأشيلك" و"من أكل من الصحن لا يتفل فيه".
اليوم تعاني الكويت من سوء تنفيذ مشاريع كبرى، ظهر فسادها منذ سنوات، وبعضها لم يُنجز إلى اليوم، لأن عصابة الفساد والدولة العميقة لا تزال لها أصابع في غالبية المؤسسات، وقادرة في أي وقت على الهبش من المال العام.
وإذا كان الإصلاح لا يتم بين يوم وليلة، فإن البدء بعلاج أصل المرض أهم بكثير من تسكين الأوجاع، ولأن الدولة بحاجة إلى الكثير من ضخ الأموال في مشاريع مستقبلية، عليها أن تبدأ بمحاسبة سُرّاق المال العام منذ سنوات، بل منذ ثلاثة عقود، كما فعلت السعودية، والإمارات، وقطر، وسلطنة عُمان، ولكل منها طريقتها الناجعة التي استطاعت عبرها القضاء على الفساد، وباتت تصنف حالياً في أعلى المراكز الدولية بالشفافية، وانعدام الفساد فيها.
في هذا الشأن، ثمة الكثير من الأمثلة للمقارنة بين التخطيط السليم، والمحافظة على المال العام، وبين السرقة "عيني عينك"، كما كان يحدث في الكويت، ففي حين بلغت كلفة الطريق الرابط بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان المعروف بـ"طريق الربع الخالي" وطولها 564 كيلومتراً 250 مليون دولار، فإن "جسر جابر" كلف ثلاثة مليارات وستمئة مليون دولار، وطوله يبلغ 50 كيلومتراً، فيما إلى اليوم بلغت تكاليف المدينة الجامعية نحو ثلاثة مليارات دينار، أي ما يعادل نحو 10 مليارات دولار، بينما بلغت تكلفة مركزين ثقافيين نحو 1.161 مليار دولار، وهي أكبر بكثير من تكلفة مشروع الحي الثقافي (كتارا) في العاصمة القطرية.
هنا لا نتحدث عن بقية المشاريع، أكانت الطرق التي تعاني منذ العام 2005 من سوء فلش الأسفلت، وتطاير الحصى، والتأخير المتعمّد في الإنجاز، أو غيرها من مشاريع البنية التحتية، وكل هذا له ثمنه أيضاً.
غالبية المشاريع في الدول الأخرى تجري مباشرة بين الحكومة والمقاول، فيما عندنا لكل فاسد حصة فيها، لهذا المطلوب من الدولة، أو بالأحرى الحكومة، فتح تلك الملفات، والإثراء الفاسد على حساب المال العام، إذا كانت ترغب في الإصلاح الجدي، وأن تسترد الأموال من السارقين، ولديها اتفاقات كثيرة في هذا الشأن، أو ستبقى الدولة تعاني من العجوزات، لأن "الجربة مقطوعة".