أفق جديد
هناك الكثير من حسني النية الذين يقعون تحت طائلة القانون لمجرد أنهم وثقوا بأناس يبطنون سوء النية، ولا تظهر عليهم أي شبهات، ومن هؤلاء الذين يعملون على تبييض الاموال الناتجة عن الجرائم تجارة المخدرات او غيرها، مما يعاقب عليه القانون.
أحاول هنا ان أشرح ماذا تعني جريمة غسيل الاموال، فهي أولا كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال، أو حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو ضمانها، أو استثمارها، أو نقلها، أو تحويلها، أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت متحصلة من جريمة، مع العلم بذلك.
إن هذا الشرح مبين في صلب القانون، وهو المعمول به في كل العالم، لذلك تراقب السلطات حركة الاموال، وحتى البنوك أحيانا تضع بعض الحسابات المشكوك في حركتها تحت المراقبة، لكن هناك بوابة أخرى اكتشفت منذ عقود، وهي استغلال بعض محال الصرافة لبيانات العملاء، واستخدامها بغير مسوغ لتحويل أموال الى الخارج.
لهذا فإن القرار رقم 57 لسنة 2023 بشأن إصدار قواعد مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب في مجال التأمين، والقانون 106 لعام 2013 يبينان متى تكون هناك جريمة، ومتى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال، أو تمويه طبيعته أو مصدره، أو مكانه، أو صاحبه، أو صاحب الحق فيه، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال؟
إن هذا يعني التأكد من ان الأموال التي يستخدمها الفرد في التحويلات يجب ان تكون مصادرها معروفة، ومكتسبة بطريقة شرعية، الا ان هناك غموضا في قانون مكافحة غسل الاموال، خصوصا استغلال بعض محال الصرافة لبيانات الزبائن في التدليس من اجل إخفاء مصادر الاموال المغسولة، لم يبين طريقة إثبات الجريمة مصدر المال، فإن الثغرات تلك سوغت للمجرمين استغلالها في ارتكاب جرائم يعاب عليها في القانون، وألصقوها بغيرهم.
من هنا كانت الجريمة الأخيرة تعد شرطاً مفترضاً في جريمة غسل الأموال، وترتبط معها ارتباطاً وثيقاً، بل وتدور معها وجوداً وعدماً، فلا مجال للحديث عن جريمة غسل الأموال ما لم توجد أموال متحصلة من مصدر غير مشروع، ويشكل جريمة.
لذلك إذا لم تكن هناك دعوى جنائية مرفوعة بشأن جريمة المصدر يجب أن تتولى المحكمة التي تنظر جريمة غسل الأموال إثبات جريمة المصدر أولاً ثبوتاً يقينياً، لأنها شرط مفترض في جريمة غسل الأموال.
أما إذا كانت الدعوى الجنائية قد رفعت بشأن جريمة المصدر، فيجب على المحكمة التي تنظر دعوى غسل الأموال وأن تتربص حتى يصدر فيها حكم بات، لأن القاعدة أن الحكم الذي يفصل في مسألة أولية تكون له الحجية أمام المحكمة الجنائية، حتى ولو مع عدم توافر وحدة الخصوم.
وفي هذه الحالة الأخيرة يجب وقف دعوى غسل الأموال، وتتربص المحكمة إلى أن يتم الحكم في جريمة المصدر بحكم بات، لأن القول بمعيار كفاية الدلائل على وقوع جريمة المصدر بمجرد توافر النموذج القانوني هو معيار غير منضبط، ويتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية، ويؤدي إلى نتائج غير مقبولة ومتناقضة في أحكام القضاء.
من ثم يكون الحكم إذ لم يتربص إلى أن يصدر حكم جنائي بات في جريمة المصدر، والقضاء بوقف الدعوى يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وعلى هذا فإن بيان الغموض امر اساسي لتكون هناك حجية في السير بالدعاوى في الطريق السليم، ولا يستغل المجرم الثغرات للافلات من العقاب.
[email protected]