اليوم نستذكر الاحتلال العراقي للكويت، والمآسي التي تسبّب بها، وهذا لا شك لن يغيب من ذاكرة أي مواطن، لكن في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن ما أثبته الكويتيون خلال الأشهر السبعة من قوة، وتصميم، والعمل في كل المجالات، يجب أن يكون درساً للنخب، السياسية والاجتماعية، ولكل المكونات التي يتشكل منها هذا المجتمع.
في تلك الفترة العصيبة، عمل الكويتيون في كل المجالات، ولم يتقاعس أحد عن خدمة بلاده، وأهله، فإذا كان هناك مقاومون في العمل العسكري، كان هناك مقاومون أيضا في العمل، ولهذا رأينا الخباز، و"البنشرجي"، وعامل المصبغة، وكذلك الذين تسلموا محال الدواجن، وغيرها الكثير من الأعمال التي اشتغلها المواطن.
للأسف، إن هذا لم يؤخذ كعبرة، إنما عملت المؤسسات الرسمية والقطاع العام، والحكومات المتعاقبة، على زيادة الاعتماد على الغير في الأعمال كافة، حتى أنها خالفت المادة 26 من الدستور الواضحة النص بعدم إيكال الوظائف لغير الكويتيين في القطاع العام.
في المقابل، ربطت الحكومة، ومنذ سنوات عدة، التوظيف بالشهادة الجامعية والأكاديمية، من دون الأخذ بالاعتبار أن نحو 90 في المئة من الموظفين يعملون في غير اختصاصاتهم، وأغلبهم كتبة، وكأننا دولة تعداد مواطنيها يزيد على 150 مليون نسمة، فيما عددنا 1.5 مليون مواطن، وبحاجة إلى كل هؤلاء الكتبة، بينما نستخدم ثلاثة ملايين أجنبي لخدمتنا، وهذا يعني اتكالية عالية التكاليف على الدولة، ومن كل النواحي.
كشفت الأحداث أن غالبية الموظفين، إما عُينوا بالواسطة، والمحاصصة، وإما أنهم لا يداومون، ولهذا، فإن البصمة دلت على الكثير من مكامن الضعف الإداري والتنفيذي، حتى البصة الثالثة حالياً تعني فشل النظام الوظيفي بالكامل.
في الوقت نفسه، افتقدت المؤسسات فنيين كويتيين مهرة، وبالتالي إذا، لا سمح الله، قامت حرب ما في الإقليم، فإن المقيمين سيغادرون البلاد، ولن نجد ممرضين، أو مشغلي محطات الكهرباء، وغير ذلك من المرافق الخدماتية، لأن المواطن اعتاد على الوظيفة السهلة.
في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت أحد المستشفيات عن حاجته إلى نحو ألف ممرض مستخدم غير كويتي، للعمل في الورديات الثلاث طوال اليوم، وإذا كان عدد الموظفين في وزارة الصحة وحدها 67 ألف موظف ولا تتعدى نسبة الكويتيين منهم عشرة في المئة، فإن خروج غير الكويتيين منهم سيؤدي إلى خروج النظام الصحي عن الخدمة.
لحل هذه المشكلة، لا يجب ربط الشهادة الأكاديمية بنظام العمل للمواطنين، بل تدريبهم على المهن الفنية، والضرورية، أسوة بباقي دول العالم، ومنها الخليجية، التي اعتمدت نظام التأهيل المهني لمواطنيها، وأغدقت عليهم المال الوفير، حتى إن كثيراً منهم رواتبهم أفضل من رواتب أصحاب الشهادات العليا، فالكويت بحاجة إلى مشغلي محطات الكهرباء التي يعمل بها اليوم مقيمون، وأيضا إلى موظفي المختبرات الطبية، ومهن مساعدة التي رأينا خلال جائحة "كورونا" ما تسببت به من نقص الأيادي العاملة طبياً فيها.
الاستعانة بغير الكويتيين، تكلف خزينة الدولة الكثير، فهؤلاء يحتاجون إلى سكن، ومواصلات، وغيرها من التكاليف التي تثقل عبء الميزانية العامة للدولة، أما حين يُستعان بالمواطنين في هذه الوظائف، فإن ذلك يخفف الأعباء، كما يمكن منح المواطن السكن الذي يقدم للمقيم، وبهذا تحل مشكلات أخرى، أصحاب القرار التنفيذي، والوزراء، على علم بها أكثر من غيرهم.
لهذا، نقول لمن بيدهم الأمر، إن الأوضاع الإقليمية والدولية حساسة جدا، وبات من الضروري التخلي عن نظريات عفى عليها الزمن، ومقولات ساذجة تسببت في الخراب، أكثر من الإصلاح، ومنها "إن الكويتي لا يشتغل" أو "إن هذه مهنة لا تليق بالمواطن"، ولهذا نسأل: أليس هذا المواطن من عمل والده خلال الغزو في تلك المهن، ألم تثبت الحملات الشبابية الأخيرة أن أولادنا على قدر كبير من المسؤولية.
فكروا إذا وقعت الحرب، أو أي كارثة كبرى، من سيعمل في المرافق النفطية، أو الخدمات كافة، خصوصا إذا عاد غير الكويتيين إلى أوطانهم، وهل الدولة بحاجة إلى كل الموظفين في القطاع العام، الذين كل همهم البصمة وتمضية الوقت في المقاهي، لأن نسبة كبيرة منهم ليس لهم أي عمل واقعي، إنما هم بطالة مقنعة يكلفون الدولة الكثير من دون إنتاج؟
عودوا إلى الأشهر السبعة العجاف وتعلموا منها، من أجل بناء دولة قادرة وقوية.