بلغ عدد العاملين في القطاع العام، وفقا لإحصاءات هيئة المعلومات المدنية، حتى يونيو الماضي 397 516 موظفاً تبلغ نسبة العمالة الوطنية منهم 78.3 في المئة.
وإذا وزع العمل بعدالة على هذا العدد، كل في جهته فلن يتعدى معدل الانشغال الحقيقي في الوظيفة ساعة واحدة على أقصى تقدير.
ومع توجه الحكومة للتوسع في خدماتها الإلكترونية، فإن حاجة العمل الفعلية في الجهات الحكومية من الموظفين لن تتخطى مئة ألف موظف، وفقا للتقديرات.
وصدر قرار مجلس الخدمة المدنية بإضافة بصمة ثالثة لعدد 516 ألف موظف، وهو قرار كان سيصبح أكثر ايجابية في الحد من التسيب الوظيفي، إذا صدر في وقته، اذ كان من المفترض ان يسبقه إعادة هيكلة الجهات الحكومية، بما يتناسب مع توجهات الحكومة المعلنة، وحاجتها الفعلية من العمل بدلاً من ضخ المزيد من الموظفين في جسد القطاع العام المترهل، والمثقل بكم من الموظفين لا عمل لهم، ومن ثم إلزامهم ببصمة ثالثة.
كنا ننتظر من مجلس الوزراء حلولاً عاجلة لمشكلة البطالة المقنعة، وهي الأكثر إلحاحاً وأهمية، وحاجة للعلاج من إقرار بصمة ثالثة ستؤدي إلى حشر 516 ألف موظف في أماكن عملهم طوال فترة الدوام.
وما حدث ان مجلس الوزراء اتخذ قراره بمعالجة التسيب الوظيفي، وترك الأسباب المؤدية إلى هذا التسيب، فالقسم الذي يحتاج إلى اربعة موظفين لإتمام عمله يوجد به 12 موظفاً على أقل تقدير.
هؤلاء الثمانية زيادة عن الحاجة اذا حبستهم في مقر عملهم فماذا سينجزون، وهم بالأساس زيادة عن الحاجة، وإذا وزع العمل فلن يحتاج الاثنا عشر موظفاً إلا الى ساعة من النهار لإنجاز مهماتهم.
من جهة أخرى، فإن القرار الوزاري بتطبيق البصمة الثالثة، والواجب النفاذ بنشره في الجريدة الرسمية قد تجاهل الترتيبات اللازمة للتطبيق، ولم يراع الجوانب الفنية لأنظمة اثبات الحضور والانصراف، والمبرمجة تلقائيا على بصمتي الحضور والانصراف، حتى إن بصمة الأعمال الإضافية تتم من خلال جهاز مستقل تلافياً لمشكلات برمجة الأجهزة.
وقد نتج عن تطبيق البصمة الثالثة شكاوى من عدد كبير من الموظفين في الجهات الحكومية، بإثبات جهاز البصمة الثالثة على انها بصمة انصراف، مما تسبب في ربكة كبيرة داخل الإدرات المعنية بمتابعة أنظمة العمل والحضور، والانصراف.
وإلى ما سبق توضيحه فذلك لا يمنع أننا نتفق تماما مع أسباب قرار مجلس الخدمة المدنية، فمشكلة التسيب الوظيفي أصبحت ظاهرة تحتاج إلى معالجة منذ سنوات، وهي مسؤولية الحكومات المتوالية منذ مطلع القرن الجديد. ونرى أن العلاج الناجح لهذه المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الحالية التي ذكرناها، هو المزيد من التعامل الإداري المتميز والناجح، والمتابعة المستمرة للموظف من رئيسه المباشر، لمعرفة ما تم إنجازه وفقاً للخطة السنوية المرسومة في بداية العام.
كما يجب معرفة الأسباب الرئيسية التي تدفع بالموظف إلى الإهمال والتقصير، ومعالجتها، ومعرفة الأسباب والدوافع الرئيسية التي تجعل بعضاً من هؤلاء يضطرون للجوء إلى الإهمال، والفرار من الدوام الرسمي.
في الختام نؤكد اننا لسنا ضد الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى ضبط سير الدوام، ومنع التسيب الوظيفي في جهاتها ومؤسساتها، لما لها من أثر في حفظ حقوق الموظفين الملتزمين، إضافة إلى حفظ حقوق العمل والمراجعين.
إلا اننا فقط ننبه إلى ضرورة التعامل بواقعية مع تلك المشكلة، فهناك جهاز حكومي متخم بالعمالة لدرجة الانفجار، وما نقوله لمجلس الوزراء: عالج تلك المشكلة أولا، ومن ثم عالج ما تفرع منها من مشكلات.
محام وكاتب كويتي