لنتحدث بصراحة، صحيح أن الإجراءات التي اتخذها صاحب السمو الأمير كانت لعلاج مرض عانت منه الكويت طوال أكثر من ثلاثة عقود، فمجلس الأمة تحول في تلك الفترة إلى ما يشبه عامل هدم، ليس للمؤسسات فقط، إنما للمجتمع أيضاً، ولا شك أن هذا مرض عضال لا بد من استئصال سببه كي تستقيم حال الدولة.
لكن في المقابل، أُنيطت الصلاحيات كافة بمجلس الوزراء، الذي عليه تأدية دوره على أكمل وجه، ولا يخطئ كي لا يزيد الطين بلة، خصوصاً أنه ليس هناك من يشوش عليه.
هذا لم يحدث، فمنذ ثلاثة أشهر وقع بعض الوزراء في أخطاء، أقل ما يقال فيها إنها لا تخدم مصلحة الكويت، وهذا إذا أحسن المراقب النية، أما إذا تحدثنا بواقعية، فإنها قرارات تدل على عدم حصافة في مقاربة ما يخدم البلاد والعباد، ولا تخدم ما أراده قائد النهضة الكويتية سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد.
فبدلاً من السعي إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي، جاء قرار إيقاف الرخص، التي يشارك فيها وافدون، مسماراً في نعش الحركة التجارية بالبلاد، ومهما حاولت الوزارة الترقيع فإنها لن تستطيع إلغاء المفاعيل السلبية التي تركها القرار.
وإذا كانت "التجارة" أعلنت أن القرار جاء تنفيذاً لكتاب أصدرته هيئة القوى العاملة، فإن الأخيرة عليها ما عليها من قرارات لا تخدم المصلحة العامة إطلاقاً، أكان في منع تجديد إقامات المقيمين ممن بلغوا الـ 60 عاماً من العمر، وكانت، ولا تزال مفاعيله السلبية تعيق تطور المشاريع والأعمال، أو الفرض على من يريد تجديد إقامته جلب شهادات أكاديمية، حتى لو مرّ على وجوده في البلاد 40 عاماً، فالواضح من كل هذا أن المستهدف تكبيل الاقتصاد الوطني، بعلم أو جهل، بحجة تعديل التركيبة السكانية، وهذا محض خيال، إذ لماذا التعديل، فيما نحن في حالة بناء، وبحاجة إلى الوافدين؟
أخيراً، كانت البصمة الثالثة التي أوعز بها "الخدمة المدنية"، لتزيد التخبط، لأنها تدل على عدم ثقة في جيش الموظفين "العرمرم"، الذي من المفترض أن يعزز الإنتاجية، ولا ينشغل بهذه الترهات.
كل هذه القرارات والخطوات الارتجالية، ليست نابعة عن رؤية، فيما بناء الدول يستند إلى خطة لها هدف واحد هو التطوير من أجل المنافسة، وعلى هذا استندت الصين عام 1979، حين استعان رئيسها دينغ شياو بينغ، بالخبير البريطاني الجنسية، العراقي الأصل، إلياس كركيس، من أجل النهضة التي تحققت في غضون سنوات قليلة.
ففي كل العالم، لم يكن القادة الذين صنعوا نهضة بلادهم عباقرة، لكن كانت لديهم رؤية، ورغبة وإصرار على ذلك، فاستعانوا بالعقول من الداخل والخارج، كي يحققوا هدفهم الستراتيجي.
أيضاً، هكذا فعلت سنغافورة، وغيرها من الدول، حتى في الخليج العربي، استعان قادة الإمارات بعقول من الخارج لتحقيق التطور الذي تشهده بلادهم، حتى أصبحت إمارة واحدة، وهي دبي، عاصمة الأعمال والمشاريع الإقليمية، ولقد أقامت جزراً عدة للاستفادة منها في عملية التطوير.
أيضاً دولة قطر، استعانت بعقول ورجال أعمال من الخارج، ولقد رأينا كيف استطاعت في غضون 12 عاما التحول قوة اقتصادية، كذلك السعودية، التي خططت العقول المستعان بها من الخارج والداخل الذين تم اختيارهم بشفافية، لتحقيق أعظم نهضة تشهدها المنطقة، وبدأت تجني ثمارها اليوم، فيما هي مستمرة في تنفيذ رؤيتها.
كل هذه الدول فتحت أبوابها على مصراعيها لمن يستطيع المساعدة، ومنحت إقامات ذهبية، بل جنسيات للمبدعين في شتى المجالات، بينما تأشيرة الزيارة تصدر في غضون خمس دقائق.
في المقابل، تستمر الكويت في إغلاق أبوابها، ولا تقبل استثمارات خارجية، حتى أنها تطرد المقيم إذا تأخر الزائر على كفالته لبضعة أيام، كما طرد المخالفون للإقامة لأن هناك عقماً في التفكير، فيما ارتفعت أجور العمالة أضعافاً، وكأن لا أحد يريد أن يرى السلبيات الضاغطة على الاقتصاد الوطني.
كل هذه المشكلات تضيء عليها الصحافة اليومية التي باتت هي صوت الناس، بل هي تؤدي هذا الدور منذ زمن طويل، حتى مع وجود مجلس الأمة الذي كان يعمل من أجل مصالح النواب.
لذا، على الحكومة أن تتابع ما ينشر في الصحف، وتعمل على التوضيح، وليس رفع الدعاوى، كما عليها أن تلتقي رؤساء التحرير دورياً، وأن يضطلع سمو ولي العهد بهذا الأمر، طالما أن سمو رئيس مجلس الوزراء ليس ميدانياً، وأن تكون هناك أيضاً مؤتمرات صحافية للوزراء، ليس للتلميع، إنما من أجل الإضاءة على الإنجازات، إذا وجدت! فنحن نعرف أن هذه أمنيات قائد النهضة والتصحيح سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد.
فالدور الذي مارسته الصحافة منذ الاستقلال إلى اليوم، وكشفها الأخطاء التي ارتُكبت كان كل هذا أمام القيادة التي أوعزت إلى الجهات المعنية إصلاح الخطأ.