الاثنين 16 سبتمبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 محمد الفوزان
كل الآراء

الأمة وولادة قادة أبطال

Time
الأربعاء 14 أغسطس 2024
View
80
محمد الفوزان
قصص إسلامية

مهما نجح العدو الغاشم في اغتيال أبطال الأمة ومجاهديها، فإن الأمة من طبيعتها أنها ولادة، ففي ليلة الخامس من ربيع الآخر عام 541 هجري، وعندما كان عماد الدين يحاصر قلعة "جعبر" تم اغتياله بمؤامرة دنيئة.

باستشهاده كانت الصحوة الإسلامية قد بلغت أوجها، وقبل أن يعم اليأس والقنوط في بلاد الشّام، استطاع ابنه نور الدين محمود التقاط راية أبيه بسرعة وجدارة، مكملاً بذلك خططه في تحرير أرض الشام من الغزاة الصليبيين، واستطاع إيقاف التشرذم العربي الإسلامي من النكوص والتراجع، وأعاقته عن العودة إلى حالات التمزّق والشلل التي عكف عليها طويلاً.

هذا وقد كان من العسير على الأقوام الإسلاميّة التي أشبعت بالحماسة والنشاط، بعد تذوق طعم النصر والظفر، أن تتراجع خطوةً إلى الوراء؛ لذلك التفوا حول نور الدين زنكي، حين أيقنوا أنه خير خليفة للمسلمين بعد والده (رحمه الله)، فتولى نور الدين مقاليد الحكم، وأصبح بعدها من أعظم الحكام المسلمين في زمانه، لا سيما أنه سار على نهج والده في الجهاد والعمل، والتزام تعاليم الإسلام.

ومن تلك المواقف صده هجوم جوسلين الثاني الذي حاول استعادة إمارة الرها، التي فتحت على يد عماد الدين زنكي، فألحق بهم ابنه نور الدين هزيمة نكراء، جعلتهم يعودون أدراجهم.

وعى نور الدين زنكي طبيعة المعركة التي يخوضها مع المحتل الصليبيي، فهي معركة عقائدية، وكانت تتطلب اتحاد المسلمين للتغلب على الخطر الداهم؛فاعد لهذا الواجب بتروٍ، وسياسة وحنكة.

وفي الوقت الذي كان فيه يثبت أركان حكمه، ويحشد الجماهير، داهم البلاد الشاميةَ خطر إفرنجي جديد، إذ انطلقت الحملة الصليبية الثانية صوبَ دمشق عام 1148ميلادية، وقد فُرض على المدينة حصار شديد، فاستنجد حاكم دمشق بنور الدين وأخيه سيف الدين، فلبيا النداء، وزحفا بجيشٍ موصليّ حلبيّ، وتوقفا في حمص، وقبل مواصلة مسيرهما جاءتهما الأنباء أن المجاهدين في دمشق قد استبسلوا في الدفاع عن مدينتهم، ولا يخفى أن لنور الدين دور كبير في هذا النصر، إذ أنه ضيّق على النصارى الحصار ومنع عنهم الماء.

وقد دفعهم هذا إلى فك الحصار عن دمشق والاستسلام له، وبهذا نجح مع المجاهدين في رد الغزاة من الصليبين، وألحقوا هزيمة نكراء بأكبر ملوك وجيوش أوروبا، حيث قابل مجاهدو دمشق العدو بروحٍ فدائية، وظفروا بنصرٍ رائعٍ سطره لهم التاريخ بمِداد الفخر والمجد.

في موازاة هزيمة الصليبين تنامت الصحوة والمدّ الاسلامي بقيادة نور الدين، وحرروا الكثير من المناطق الشامية من أيدي الغزاة، مثل حصن العريمة، والمناطق القريبة من أنطاكية في الغرب.

لقد آمن زنكي بضرورة التحام القوى الإسلامية، وتوحيد الصفوف المفككة، حتى تكون سدا منيعا أمام أطماع الغزاة المحتلين؛ لكن حُكّام ووزراء دمشق الذين ربطتهم علاقات ودية مع الصليبين حالوا دون تبلور مشروع الوحدة المنشود، فيما عمل نور الدين جاهدا على توحيد دمشق، وهو ما حدث فعلا سنة 1154ميلادية، وذلك بعد وفاة وزيرها الداهية معين الدين أنر الذي عرفت البلاد في عهده مرحلة من الذل والمهانة أمام الصليبين.

استقبل سكان دمشق نور الدين زنكي بالترحيب البالغ، وتوحدت في عهده بلاد الشام، وتوسعت الدولة النورية وأصبحت تحيط بالقوات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب!

بذلك لم يبقَ للصليبيين مكانٌ للتوسع سوى مصر التي مثلت ثرواتها حافزاً لهم على ضمها لملكهم، خصوصا في ظل الخلاف والضعف الذي عرفه البلاط الفاطميّ، آنذاك.

وبالفعل اجتاح الإفرنج مصر، ولم تعقهم أي مقاومة تذكر! فبعث نور الدين جيشاً بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، لطرد الصليبيين منها، وكان ذلك عام 1169ميلادية، وقد حققوا نصراً مبيناً كسروا به شوكة الصليبيين، وألحقوا بهم هزيمة نكراء، فتولى شيركوه منصب الوزارة؛ لكنه توفي بعد شهرين، فجعل نور الدين مكانه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، وامتدت بعدها الدولة النورية من الموصل إلى مصر، فصارت قطعةً واحدة، وفُصِلَ بيت المقدس عن بقية الإمارات الصليبية، وأصبح معزولا واضح المصير.

أدرك الصليبيون أنهم أمام رجل من طينة أبيه نفسها، قائد عظيم لا يقهر، عمل على توحيد صفوف الأمة الإسلامية، فأعدَّها إيمانياً وفكرياً واجتماعياً وجهادياً واقتصادياً.

وافت نور الدين زنكي المَنِيّةُ وهو في التاسعة والخمسين من عمره، وذلك وهو في طريقه إلى مصر، وحين ذاع خبر وفاته أدرك العالم الإسلامي أنه خسر بطلاً عظيماً، لطالما رفع راية الحق عاليا، فأفل نجم نور الدين زنكي سنة 1174ميلادية.

لكن مشيئة الله في نصر الإسلام والمسلمين لم تغب، فكلما أفل نجمٌ بطلٌ ظهر آخر على الساحة، ليواصل دكّ معاقل الغزاة المحتلين، وينشر العدل والإسلام، فتسلم الراية هذه المرة صلاح الدين الأيوبي، وبدأت رحلته في قيادة العرب، وتحقيق النصر العظيم في موقعة تاريخية مشهورة حرر فيها القدس الشريف.

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار