موجع هو الخبر، موجع حد الصراخ، ان تكون واحدة من طبيبات الكويت، بعمر الورد، ترحل عنا فجأة، بعد ان ادت رسالتها الانسانية بكل تفان، ولم تئن، او تتذمر.
هكذا علينا ان نستقبل الاخبار السيئة، بمزيد من التسليم لله تعالى، لقضائه وقدره مع ما في القلب من لوعة يكاد ينفطر بها، فقد انتقلت إلى رحمة الله تعالى الدكتورة الريم السميطي عن 29 عاما، في عز العطاء، والحيوية، والنشاط، والآمال والامنيات، التي كانت تعمل على تحقيقها، لكن لا راد لقضاء الله وقدره.
في الحقيقة لقد فطرت قلبي هذه الانسانة، التي لم اعرفها، لكنني بمجرد ما قرأت الخبر، تجدد الشعور بالفقد، وبكثير من الآلام، فاني لم انس لحظة فقد ابني المرحوم مساعد، الذي رحل الى جوار ربه في العمر الذي رحلت فيه الريم، هذه المكافحة في عالم فيه الكثير من الوجع الذي تعمل على تخفيفه في عملها اليومي.
أشعر حقيقة كم هي مؤلمة هذه الوفاة، فهي ذهبت من اجل انقاذ ارواح، عملت في خفارتها، وفق ما اقسمت عليه حين تخرجت من كلية الطب، لتخدم البشرية، وتتحمل المصاعب كافة، اياً كانت، لانها نذرت نفسها لاسمى مهنة، عاملة بما قاله الله عز وجل: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا".
هذا هو العلم الراقي، هذه الخدمة الإنسانية من الدرجة الأولى، حين تعمل مع اناس لا تعرفهم، لكي تنقذهم مما هم فيه؟
حقيقة عندما ترى فتاة بهذا العمر تعمل بإخلاص في خفارة تقدر هذا المجهود العظيم، فالجميع يعرف كم هي مرهقة تلك الخفارات، والأوقات الصعبة التي تمر على الاطباء الذين لا هم لهم في تلك السويعات التي يقضونها في مواجهة خطر على حياة المريض، الساعين الى انقاذه مهما كلفهم ذلك من جهد، لذا حين يكونون هم ضحايا التعب فهذا يعني انهم تفانوا الى حد الارهاق القاتل.
عند هذا الحد، تتغير الحسابات كافة، فلا يعود المقابل مهما علا مردوده مجزيا، ولا ساعات العمل مرهقة عند الاطباء اصحاب الرسالات، فالطبيب صاحب رسالة يؤدي الامانة من اجل الانسانية، فكيف اذا كانت بنت الكويت تخدم وطنها، تعمل بكل همة لكي تنقذ الاراوح حتى الارهاق، فهل تعتقدون ان هؤلاء يحتاجون إلى بصمة، او اثبات حضور وانصراف؟
الريم، الطبيبة، الانسانة، تعبر عن المعدن الأصيل للشعب الكويتي، تعبر كيف ينذرالكويتي الاصيل نفسه من اجل شعبه، لا ينتظر اي مكافأة الا ارضاء الله ثم راحة ضميره، وانها ادت الامانة الوطنية والانسانية.
حقيقة إننا نبكي فقد هذه الفتاة المخلصة في عملها، التي لم اعرفها، لكنني قرأت عنها، ولا اعرف عائلتها، التي اشعر اليوم بحزنهم الذي اعيشه كل لحظة منذ فقدت وحيدي، وكم هو موجع الفقد في سن الزهور.
ارجو من الله عز وجل ان يرحمها، ويغفر لها، ويصبر اهلها، ولنا جميعا ان نأخذ العبرة من هذا الفقد، تلك العبرة التي تتجدد مع وفاة هذه الطبيبة، فوفاتها جددت لحظة فقدي ابني مساعد رحمه الله، ورحم الله الريم السميطي، واسكنها فسيح جناته وان يلهم أهلها الصبر والسلوان.