الاثنين 16 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
 حمادة الأمير
كل الآراء

جريمة غسل الأموال

Time
السبت 17 أغسطس 2024
View
180
حمادة الأمير

يعتبر غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية، ذات الطابع الدولي المنظم، لأن عناصرها تتوزع على أكثر من دولة في الغالب، وتقع تحت ما يعرف بـ"الاقتصاد الخفي"، فهي داء وأداة خطيرة لمن يسعون للكسب الحرام، وتقويض اقتصاد وأمن الدول.

وقد ظهر غسل الأموال خلال الفترة من 1920 الى1930 حين لجأت عصابات المافيا إلى انشاء محال غسل الملابس الأوتوماتيكية لاستثمار الأموال الضخمة المتحصلة من تجارة المخدرات بغية اخفاء أصل هذه الأموال. وغسل الأموال عبارة عن مجموعة من العمليات المالية تستهدف اضفاء الشرعية على أموال متحصلة من مصدر غير شرعي، بحيث تنطوي على اخفاء وطمس مصدر المال المتحصل عليه من أنشطة إجرامية، وجعله يبدو مشروعاً مما يمكن الجناة من الاستفادة من حصيلة جرائمهم علانية.

وتتكون الجريمة من ثلاثة اركان؛ الركن المادي، ويبرز السلوك المكون له في ثلاث صور أساسية اوردتها المادة الثالثة من اتفاقية فيينا؛ الأول تحويل الأموال أو نقلها، والثاني إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، والثالث اكتساب، أو حيازة، أو استخدام الأموال.

والركن المعنوي، يتخذ صورة القصد الجنائي أو العمد بعنصريه العلم والارادة، والقصد الإجرامي نوعان، عام بانصراف إرادة الجاني إلى اقتراف الركن المادي للجريمة مع العلم به، وبالعناصر التي يتطلبها القانون، وقصد خاص يتمثل في نية اخفاء، أو تمويه مصدر الأموال الناتجة من الجرائم، والركن المفترض، وهو محل الجريمة، أي المصدر الذي يرد عليه السلوك المؤثم، وهو أي متحصلات، أو أموال نتجت بشكل مباشر، أو غير مباشر، من ارتكاب جريمة معينة. ومصادر الجريمة بدأت بتجارة المخدرات، ثم تطورت وشملت المتاجرة في العملات الأجنبية، وتهريب السلع والمنتجات، وصفقات الأسلحة، وتوظيف الأموال، والغش التجاري وتقليد الماركات، وتزييف النقود، وسحب المبالغ من البنوك بشيكات أو حوالات مزورة وتحويلها للخارج عبر قنوات مشبوهة، وشراء السلع بفواتير بقيمة مزورة حيث يكون الفرق بين السعر الحقيقي والزائد هو المبلغ الذي تم غسله، أو إصدار فواتير لعمليات بيع وشراء وهمية، والدخول الناتجة عن الرشوة، والاحتيال والفساد السياسي والتربح من الحصانة، وتهريب الآثار، والاتجار في الأعضاء البشرية.

وغسل الأموال يتم عبر ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى الإيداع (التوظيف)، وتتضمن إدخال الأموال غير المشروعة في النظام المالي، والثانية التغطية (التمويه)، وفيها يجري غاسل الأموال مجموعة عمليات مصرفية مثل تحويل الأموال، أو نقلها من خلال سلسلة من الحسابات في مختلف المصارف في العالم بحيث يصعب تعقب مصدرها.

الثالثة (الدمج) تتم بدمج الأموال غير المشروعة في النظام المالي من خلال استثمارها في العقارات، أو الأصول الفاخرة، أو المشاريع التجارية.

واساليب الغسل كثيرة منها في المجال المصرفي مثل الإيداع والتحويل عبر البنوك والصرافات، ثم تحويلها للخارج، واعادة الاقراض، وهي أن يودع غاسلو الأموال أموالهم لدى أحد البنوك الموجودة في بلد تنعدم فيه الرقابة على البنوك، ثم يتم طلب قرض من أحد البنوك المحلية في بلد آخر بضمان الأموال المودعة في البنك الأول، واساليب غير مصرفية، مثل انشاء الشركات الوهمية كستار للغسل، واسواق المال تعد مكانا مفضلا لصعوبة التحري والكشف عن عمليات الغسل فيها، والسوق العقارية خصوصا، في المجال السياحي والفندقي وتجارة الذهب، تعتبر ملجأ مثاليا للجريمة كونه سلعة تجارية مقبولة في اسواق العالم كافة. وللجريمة آثار سلبية منها السياسية كشراء الذمم والتمثيل في المجالس النيابية للتمتع بالحصانة، ووضع القوانين، والسيطرة على النظام السياسي واختراق هياكل الحكومات. وآثار اجتماعية بإحداث خلل في طبقات المجتمع، وانحطاط القيم والمثل، وارتفاع معدلات البطالة، وتمويل النزاعات الدينية، والعرقية، والتنظيمات الإرهابية، وآثار اقتصادية ومصرفية كزيادة التضخم، وارتفاع الأسعار، وافلاس البنوك، وانهيار البورصات، وانتقال رؤوس الأموال.

وترجع أسباب انتشار الجريمة لقصور النصوص العقابية لردع المجرمين، أو قصور التنظيم الاقتصادي والإداري لعمليات الاستثمار والمضاربة في أسواق الأوراق المالية الناشئة، وكثرة الفساد الإداري، وغياب القيم الدينية والأخلاقية، وتقدم حركة الاتصال المصرفي وانتقال المعلومات، وسهولة فتح الحسابات، ولذلك أصبح التعاون الدولي ضرورة حاسمة في مكافحة غسل الأموال باعتباره مشكلة دولية عابرة للحدود، وعلى الدول وضع نظم خاصة للابلاغ عن العمليات المشبوهة، وعدم التعامل في الشراء أو البيع نقداً، وزيادة التوعية العامة من هذه الجرائم في القطاعين العام والخاص، وسرعة القبض على المتورطين ومحاسبتهم، واحكام الرقابة على الصرافة وصحة توقيع العميل عند التحويل.

مستشار قانوني

آخر الأخبار