عزيزي عدنان البحر، قرأت مقالتك المعنونة بـ"ألم يئن الأوان أن نصحو كوطن"؟ ثلاث مرات، وأصدقك القول إن كل ما ورد فيها صحيح، وحق، وإن التعالي والعجرفة في إدارة مشاريع التنمية لم تألفه الكويت، وهو على خلاف ما جُبل عليه أهلها.
انظر إلى الساحة المحلية، فمن أعطاه الله وعياً وفهماً، يدرك أننا قاصرون، ومتخلفون، ليس في التنمية، بل في نواح كثيرة، والسبب أننا منذ نحو 50 عاماً نتحدث في هذا الأمر، ونرفع الصوت، لكن تبقى الأمور على ما هي عليه، لأنه ليست هناك رؤية، ولا مشروع جذاب وواقعي، لأن الذين يعملون على التنمية، إما يتسمون بالأنانية والتمصلح، وإما بعدم إدراك ما يجب فعله، وإما بالمهاترات والغمز واللمز، في موضوعات ثانوية جوفاء، كالقول "إن هذا كويتي وهذا مو كويتي"، و"هذا لفو وذلك أصيل"، والدليل مشكلة "البدون"، فيما يخرج علينا أكاديمي قانوني ليتهم 810 آلاف كويتي بأنهم زوروا جنسياتهم، أو شهاداتهم، وغيرها من اتهامات والكثير من الترهات.
في المقابل، من لديه حنكة وفهم بإدارة اللعبة الاقتصادية، إما هو غير مهتم، وإما صامت لأسباب لا أحد يعلمها، وبالتالي تركت الأمور على "البركة"، لهذا كثرت إدانة وزراء وموظفين كبار فاسدين، وبالتالي ماذا يرتجى من هكذا إدارة؟
صدقت يا صديقي عدنان البحر في ما قلت، إذ كيف تكون تنمية عندما يُمنع موظف أمين حريص على عمله من مشاركة رب العمل الذي هو راغب في ذلك، وإذا أصبح عمره 60 سنة عليه أن يبيع حصته إلى كويتي، وإذا مات يمنع ورثته من بيع أسهمهم إلا لكويتي، وبأبخس الأسعار، لأن الحكومة تلزمهم بذلك؟
عزيزي عدنان، أنت اقتصادي، وتعرف ماذا تعني هذه المخاطر على السوق المحلية، وتأثيراتها السلبية اقتصادياً، لذا اسمح لي بأن أشاركك الرأي، وأضيف: لدى الكويت اليوم نحو تريليون دولار مستثمرة في الخارج، وأيضاً، هناك كويتيون لديهم استثمارات خاصة في معظم الدول، فماذا تكون ردة الفعل إذا تعاملت الدول بالمثل، وقالت للكويتيين ممنوع عليكم تحويل استثماراتكم إلى الخارج، وبيعوا أصولكم العينية قبل أن تغادروا إلى مواطنينا؟
قبل أيام أصدرت الحكومة السعودية نظاماً جديداً للاستثمار، ساوت فيه بين المستثمر المواطن والأجنبي، بل منحت الأجانب مميزات عدة لا يحلمون بها حتى في بلادهم، وقبل ذلك بسنوات طويلة أفسحت المملكة، وكذلك دولة الإمارات، للأجانب بالتملك الحر، ومنحتهم إقامات ذهبية، وحتى جنسيات، كما أن الشعب الأميركي ليس "طراثيث" إنما هو من دماء وأجناس مختلفة ولقد بنى حضارة عظيمة.
أخونا العزيز عدنان..
إدارة التنمية متخلفة في الكويت، هذا صحيح، ونتعامل مع الجميع بعجرفة، أيضاً هذا هو الواقع، لأن هناك من أشاع تلك النظرية المتخلفة، وعمد لأسباب أيديولوجية دينية بحتة، ونظريات عفى عليها الزمن، إلى إغلاق البلاد، ووضعونا بين مطرقة الظواهر السلبية، وسندان التركيبة السكانية، وقانون منع الاختلاط، هذه البدعة التي لم تكن لها أصول، وغير مدروسة، ولا واقعية، فيما لا أحد يعترف بالخطأ، بل هم لا يتراجعون عن غيهم.
كيف يمكن إصلاح تركيبة سكانية، وعدد السكان نحو أربعة ملايين ونصف المليون، ثلاثة ملايين منهم يخدمون المليون ونصف المليون مواطن، فيما الدولة تتحدث عن مشاريع كبرى، وتنمية عظيمة، وهي تحارب العمالة التي عليها البناء، أليس هذا هو التخلف بعينه، أوليس ذلك خطأ يعيدونه كل مرة على مسامع الناس، على طريقة "غوبلز"؟!
يعتصرنا الألم في كل هذا، وإذا تكلمنا لا يعترفون بذلك، ولا يتراجعون عن غيهم، إلى حدّ أنهم فرضوا "البصمة الثالثة"، التي تكلف أجهزتها، وفقاً لما أعلنته المصادر، نحو 80 مليون دينار، لأن لا أحد من المسؤولين على استعداد أن يراقب مرؤوسيه، فهو يؤدي الفعل نفسه بعدم التزام الدوام، حتى حين فرضوها صباحاً اكتشفوا أن هناك موظفين يداومون من الدول المجاورة!
كل هذا يدل على عدم فهم ماذا تعني التنمية، التي رصدوا لها منذ سنوات طويلة نحو 120 مليار دينار، ثم اكتشف الجميع أن الوزراء المكلفين إدارتها أهدروها، بل أدخلت الميزانية في عجز يتراكم سنوياً.
أخونا عدنان البحر..
حين تصدر الحكومة، أي حكومة، قرارات تكون مدروسة، وليست ارتجالية، فعندما تمنع المقيم الذي بلغ 60 سنة من العمر من تجديد إقامته، عليك توفير البديل، فهل جرى تدريب الشباب الكويتي كي يسدوا هذا الفراغ، وحين ربطت الوظيفة بالشهادة، ألم يسأل صاحب القرار نفسه: ماذا يفعل بغير الحاصلين على شهادات؟
أيضاً، كيف تعمل على مشاريع كبرى تحتاج إلى عمالة فنية، وماهرة، والدولة تمنع أصحاب المهن من الدخول إلى البلاد؟
دول الخليج والعالم كله عملت على إفساح المجال لكل العاملين، ووضعت شروطا سهلة لهم، والنتيجة واضحة للجميع من تنمية وكذلك نشاط اقتصادي، حتى أن الكويتيين بدأوا يهجرون البلاد للاستثمار في تلك الدول.
أخونا عدنان البحر..
يبقى أملنا في العهد الجديد الذي يقود ثورة على القوانين المتخلفة، وما على المسؤولين إلا العمل بوحي التوجيهات الأميرية التي تنير الطريق لهم، أما إذا تقاعسوا في ذلك فسنبقى "على طمام المرحوم".
أخيرا، لا تتوقف صديقي عن الإدلاء بدلوك، فلعل وعسى أن يسمعوا الصوت الصواب.
منذ سنوات طويلة لم نرَ تنمية حقيقية، إنما "هرجاً ومرجاً"، وقلة حيلة، فيما هناك من يقول إن "الوضع طيب"، وهو ما يدلي به المستفيدون للحاكم، وأن "الكويت مبروكة، وكل شيء تمام، وما عليك من الحكي والكلام الفاضي"، ولهذا، سيأتي من يقول عن مقالتك ومقالتي أنهما كلام فاض.
اللهم يا رب أوردنا طريق الصواب.