تعتقد جازماً أنّ ما يُبقيكَ أنيقاً وجميلاً، وواثقاً ومتماسكاً ومتقدّماً، في تقلّبات وتحوّلات الحياة، معرفتكَ الواثقة بِوجود الجمال ساطعاً في أعماقك.
جمال الفكر والعقل، والسؤال والفهم، والتفكّر والإبداع، إنّه الجمال الذي يُلهمكَ متعة تقصّي حقيقتكَ، في حقيقة أنّك لم تزل مستمتعاً باكتشاف جديدكَ في مبادرات الفكر والتفكّر والسؤال، وإنّه جمالكَ الذي تعرفُ أنّكَ من غيره، لن تحصل على لذّة الفهم في حقول المعرفة.
فالإنسان دائماً ما يأتي من مكانٍ بعيد في محاولة شغوفة منه لمعرفة الخطوة الأقرب إلى ذاته، وفي هذه الخطوة تحديداً يرتكز جهده الملهم لمواصلة ثقتهِ الكاملة بما يتوافّر لديه من جمال الفكر والعقل والمعرفة.
ولا يشعر الإنسان بالعجز، إلاّ حين يبقى عاجزاً عن تحقيق حريّته في التغيير، وهذا أكثر ما قد يصيبه بالجمود والتراجع، ولا شيء في المقابل يجعله متطلّعاً ومبدعاً ومتجدّداً سوى امتلاكهِ لحريّتهِ الكاملة في التغيير، لأنّ ما يحقّقه في التغيير، ليسَ إلاّ إبداعاً لوجودهِ على قيد الفكر والعقل والتفلسف والتفكير.
ويرى بوضوح أنّ الانتقال من الوعيّ بحقيقةِ جهله، إلى الوعيّ بالمعرفة، يتطلّبُ منه أولاً قدرةً ذاتية على استيعاب فكرة التغيير، كونها الدافع الحقيقيّ للتطوّر والتحوّل في تعزيز تكوينه الثقافيّ المستقلّ، ولذلك فإنّ ما يجعله متتبّعاً حريّته في التغيير، هو اعتقاده الرصين، أنّ الوعيّ بالمعرفة هي خطوته الكبيرة بعد وعيه بِحقيقةِ جهله، وفي هذا الوعيّ يعملُ متطلّعاً إلى ترسيخ استقلاليّته الفكريّة والتفكيريّة والنقديّة.
وبقدر حاجتكَ إلى العقل الفلسفيّ، والتفكير المستقلّ، والفهم المتنوّر، تعرفُ حاجتكَ الدائمة إلى القدرة على التغيير، فمن خلاله أنتَ تبحثُ عن أجملَ ما يجمعكَ مع عقلكَ وفكركَ ونظرتك، وتعرفُ أنّ ما يجمع بينكما تحديداً، هو مقدار ما في التغيير نفسه من اشتهاءٍ معرفيّ، وحريّةٍ في السؤال، ووعيّ في التجربة، واستقلاليةٍ في التفكير، ولذلك قد تكتنف عملية التغيير بعض الصعوبة، كونها بحاجةٍ ماسَّة إلى الجهد الفكريّ والجرأة على التقدَّم، والإصرار على المتابعة، والاستمرار في المحاولة، وتبنّي ثقافة المبادرة، لكنّكَ في الأخير تكتشف أنّك مع حريّتكَ في التغيير قد تخلّصتَ من أبشع ما كنتَ واقعاً فيه من تراجعٍ وجمودٍ وتخلّفٍ وسطحيّة.
قد نتوهّم في كثيرٍ من الأحيان، أنّ هناك حقيقة واحدة وأبديّة، وقد نستمرّ في التمسّك بها، ظناً منّا إنّنا قد عثرنا على ما نريده من وجودنا، لكنّ الأمر يختلف تماماً مع العقل الفلسفيّ الذي يتبنّى دائماً ثقافة التغيير والسؤال، والمبادرة، ذلك لأنّ معظم الأشياء تخضع دائماً للفهم والسؤال، والتفكير والنقد، وليس هناك دائماً وأبداً حقيقة واحدة، أو اتجاه واحد وأوحد، أو فكرة نهائية ومطلقة.
لذلك يبقى العقل الفلسفيّ في حريّة التغيير صفتهُ الدائمة، هي السؤال والنقد والتفكير، ويمضي حثيثاً إلى اكتشاف المعاني الملهمة للتغيير هنا وهناك في مخاضات الفهم والتفكّر والمبادرة.
ولذلك عادةً ما ترتكز فكرة التغيير على معرفة الأفكار وفقاً لأهميّتها لنا، ووفقاً لِمعانيها الملهمة والطليقة، من خلال تفسير طبيعتها وتكويناتها، وتأثيراتها أيضاً.
كلّ ذلك يأتي انطلاقاً من حريّة العقل في الاحتمال والتجربة والنقد والتفسير، وفي هذه الرحابة من الفهم والتفسير والتجربة، تبدأ عملية التغيير، بحيث أنْ يجد الإنسان في بعض الذي يعرفه، دافعاً خلاّقاً إلى الكثير ممّا يريد أنْ يعرفه ويتعلّمه ويتدرّب عليه.
وإنّكَ إذ تتوقّف بين الحين والآخر لترى ما أنتَ عليه من جديدكَ في غمار التغيير، ليسَ إلاّ لكي تتأمّل بكثيرٍ من الحبّ والشغف والتفكّر، ما فعلته من أشياء رائعة وخلاّقة وملهمة، ثمّ تمضي في طريقكَ من جديد.
هكذا دائماً أحسبكَ تفعل وأنتَ في حريّة التغيير، لأنّك تتلمّس بحبّ طريقتكَ في التغيير، وتحسبُ انّكَ تتقدَّم، لأنّك تتعالق بجمالية مع أفكاركَ في التجديد والتغيير والتطوّر، وتستهويكَ دائماً أنّ الأفكار الحرَّة والحيّة إنّما تتخلّق في مخاضات النقد والشّك والتفكير والتغيير، ويستهويكَ أيضاً أنّكَ تتعرَّف عليها من خلال مدى قدرتها على فعل التغيير، ومن خلال حيويّتها وحركتها في فعل التجديد.
لذلك تدركُ جيّداً من أنّ أفكارك هذهِ، لا يمكنها أنْ تستقيم مع الأفكار التلقينيّة والوراثيّة واليقينيّة والمعلبة، وتحسبُ أنّكَ كثيراً ما تحيا جميلاً وخلاّقاً وواثقاً، بكلّ تلك الأفكار التي تحيي فيك تغييراً وإبداعاً وتفنّناً وحريّةً وتجدَّداً، وتبقى في كلّ ذلك تملكُ أنْ تستلذ بمعنى الأفكار في عقلك وفي مبادراتكَ التفكيريّة، من حيث إنّها زادكَ الوفير في حريّة التغيير.
كاتب كويتي
[email protected]